فليودّ بإبدال الهمزة واوا وإذا وصل السوسي وورش الذي بائتمن أبدلا الهمزة ياء وفي الابتداء بهمزة مضمومة للجميع (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) في الخيانة وإنكار الحق وفيه مبالغات من حيث الإتيان بصيغة الأمر الظاهرة في الوجوب والجمع بين ذكر الله والرب وذكره عقب الأمر بأداء الدين (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) أيها الشهود إذا دعيتم لإقامتها أو المديونون ، وعلى هذا فشهادتهم إقرارهم على أنفسهم (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ.)
فإن قيل : هلا اقتصر على قوله فإنه آثم وما فائدة ذكر القلب؟ ـ والجملة هي الآثمة لا القلب وحده ـ أجيب : بأن كتمان الشهادة هو أن يضمرها ولا يتكلم بها ، فلما كان أي : الكتمان إثما مقترفا أي : مختلطا بالقلب أسند إليه ؛ لأنه محل كتمان الشهادة وإسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ ، ألا ترى أنك تقول : إذا أردت التوكيد : هذا مما أبصرته عيني ومما سمعته أذني ومما عرفه قلبي ، ولأنّ القلب هو رئيس الأعضاء والمضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله ، وإن فسدت فسد الجسد كله ، فكأنه قيل : فقد تمكن الإثم في أصل نفسه وملك أشرف مكان فيه ، ولئلا يظنّ أنّ كتمان الشهادة من الآثام المتعلقة باللسان فقط وليعلم أنّ القلب أصل متعلقه ومعدن اقترافه واللسان ترجمان عنه ، ولأنّ أفعال القلوب أعظم من سائر أفعال الجوارح وهي لها كالأصول التي تتشعب منها ، ألا ترى أنّ أصل الحسنات والسيئات الإيمان والكفر وهما من أفعال القلوب وإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب ، فقد شهد له بأنه من معاظم الذنوب ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : «أكبر الكبائر الإشراك بالله لقوله تعالى : فقد حرم الله عليه الجنة وشهادة الزور وكتمان الشهادة».
تنبيه : آثم خبر إن وقلبه رفع بآثم على الفاعلية كأنه قيل : فإنه يأثم قلبه ويجوز أن يرتفع قلبه بالابتداء وآثم خبر مقدّم والجملة خبر إن وقوله تعالى : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) تهديد ؛ لأنه لا يخفى عليه منه شيء (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) خلقا وملكا قال الجلال السيوطي وعبيدا : ولعل ذكره بعد ملكا لئلا يتوهم أنّ ما لما لا يعقل (وَإِنْ تُبْدُوا) أي تظهروا (ما فِي أَنْفُسِكُمْ) من السوء والعزم عليه (أَوْ تُخْفُوهُ) أي : تسروه (يُحاسِبْكُمْ) أي : يجزكم (بِهِ اللهُ) يوم القيامة ، والآية حجة على من أنكر الحساب كالمعتزلة والروافض (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) مغفرته (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) تعذيبه وهذا صريح في نفي وجوبه ، وقرأ ابن عامر وعاصم برفع الراء : من يغفر ورفع الباء من يعذب على الاستئناف ، والباقون بجزمهما عطفا على جواب الشرط ، وأدغم الراء المجزومة في اللام السوسي ، واختلف عن الدوري وقول الزمخشري : ومدغم الراء في اللام لاحن مخطىء خطأ فاحشا. ورواية عن أبي عمرو يعني السوسي مخطىء مرّتين ؛ لأنه يلحن وينسب اللحن إلى أعلم الناس بالعربية ما يؤذن بجهل عظيم والسبب في نحو هذه الروايات قلة ضبط الرواة ، والسبب في قلة الضبط قلة الدراية ولا يضبط نحو هذا إلا أهل النحو مردود ؛ لأنه مبنيّ على القول بأنّ الراء إنما تدغم في الراء لتكرّره الفائت بإدغامها في اللام ورد بأنّ ذلك قراءة أبي عمرو وهي متواترة مع أنّ القول بامتناع إدغام الراء في اللام إنما هو مذهب البصريين وأمّا الكوفيون بل وبعض البصريين كأبي عمرو فقائلون بالجواز كما نقله عنهم أبو حيان ، ونقل أبو عمرو والكسائي وأبو جعفر صحة إدغام صار لي وصار لك عن العرب ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ، ووجه الجعبري إدغام الراء في اللام بتقارب مخرجيهما على رأي سيبويه وتشاركهما على رأي الفرّاء وتجانسهما في الجهر والانفتاح والاستفال (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على