بهما كما آخذت به من قبلنا ، قال الكلبي : كان بنو إسرائيل إذا نسوا شيئا مما أمروا به أو أخطؤوا عجلت لهم العقوبة ، فحرم عليهم شيء من مطعم أو مشرب على حسب ذلك الذنب ، فأمر الله المؤمنين أن يسألوه ترك مؤاخذتهم بذلك وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (١).
فإن قيل : النسيان والخطأ متجاوز عنهما فما معنى الدعاء بترك المؤاخذة بهما؟ أجيب : بأنّ المراد بذكرهما ما هما مسببان عنه من التفريط والإغفال ألا ترى إلى قوله : (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ) [الكهف ، ٦٣] والشيطان لا يقدر على فعل النسيان وإنما يوسوس فتكون وسوسته سببا للتفريط الذي منه النسيان ويجوز أن يدعو الإنسان بما علم أنه حاصل له قبل الدعاء من فضل الله لاستدامته وذكره بلفظ الدعاء على معنى التحدّث بنعمة الله فيه ، قال الله تعالى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى ، ١١] (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) أي : لا تكلفنا أمرا يثقل علينا حمله (كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) أي : بني إسرائيل من قتل النفس في التوبة وإخراج ربع المال في الزكاة وقطع موضع النجاسة من الجلد والثوب وغير ذلك قاله «الكشاف» قال البيضاوي : وخمسين صلاة في اليوم والليلة ونسبها غيره من المفسرين إلى اليهود ولا تنافي بينهما إذ المراد من بني إسرائيل هم اليهود منهم فلا يرد على هذا ما قيل إنّ بني إسرائيل لم يفرض عليهم خمسون صلاة قبل ولا خمس صلوات مع أنّ من حفظ حجة على من لم يحفظ (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ) أي : قوّة (لَنا بِهِ) من البلاء والعقوبة ومن التكاليف التي لا تفي به الطاقة البشرية وهو يدلّ على جواز التكليف بما لا يطاق وإلا لما سئل التخلص منه ، والتشديد ههنا لتعدية الفعل إلى مفهول ثان لا للمبالغة (وَاعْفُ عَنَّا) أي : امح ذنوبنا (وَاغْفِرْ لَنا) أي : استر علينا ذنوبنا ولا تفضحنا بالمؤاخذة بها (وَارْحَمْنا) وتعطف بنا وتفضل علينا فإننا لا ننال العمل بطاعتك ولا نترك معصيتك إلا برحمتك (أَنْتَ مَوْلانا) أي : سيدنا ومتولي أمورنا (فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) بإقامة الحجة والغلبة في قتالهم فإن من حق المولى أن ينصرموا إليه على الأعداء أو المراد بالكافرين عامة الكفر.
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : (غُفْرانَكَ رَبَّنا) قال الله تعالى : (قد غفرت لكم) وفي قوله : (لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) قال : لا أؤاخذكم (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) قال : لا أحمل عليكم (وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) قال : لا أحملكم (وَاعْفُ عَنَّا) إلخ .. قال : قد عفوت عنكم وغفرت لكم ورحمتكم ونصرتكم على القوم الكافرين وكان معاذ إذا ختم سورة البقرة قال : آمين.
وروى مسلم وغيره أنه «صلىاللهعليهوسلم لما دعا بهذه الدعوات قيل له عقب كل كلمة : قد فعلت» (٢) وعن عبد الله أنه قال : لما أسري برسول الله صلىاللهعليهوسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها وإليها ، ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها قال : (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) [النجم ، ١٦] قال : فراش من ذهب قال : وأعطي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثلاثا : أعطي الصلوات الخمس وأعطي خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته شيئا
__________________
(١) أخرجه ابن ماجه في الطلاق باب ١٦ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٠٣٠٧.
(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٧ / ٢٠٥ ، والسيوطي في الدر المنثور ١ / ١٢.