والسيف (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) وقيل : المراد بالذين اتبعوه النصارى وبالذين كفروا اليهود إذ لم نسمع غلبة اليهود عليهم ولم يتفق لهم ملك ودولة وملك النصارى قائم إلى قريب من قيام الساعة وعلى هذا يكون الاتباع بمعنى الادعاء في المحبة لا اتباع الدين (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) الضمير لعيسى ومن آمن معه ومن كفر به وغلب المخاطب على الغائبين (فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) من أمر الدين.
ثم بين الحكم بقوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا) بالقتل والسبي والجزية والذلة (وَ) أعذبهم في (الْآخِرَةِ) بالنار.
فإن قيل : الحكم مرتب على الرجوع إلى الله تعالى وذلك في القيامة فكيف يصح في تبيينه العذاب في الدنيا؟ أجيب : بأنّ المقصود التأييد من غير نظر إلى الدنيا والآخرة كما في قوله : خالدين فيها ما دامت السموات والأرض (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) أي : مانعين منه.
(وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) أي : أجور أعمالهم ، وقرأ حفص بالياء ، والباقون بالنون (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) أي : لا يرحم الكافرين ولا يثني عليهم بالجميل.
وقوله تعالى : (ذلِكَ) إشارة إلى ما سبق من خبر عيسى ومريم وامرأة عمران وهو مبتدأ خبره (نَتْلُوهُ) أي : نقصه (عَلَيْكَ) يا محمد وقوله تعالى : (مِنَ الْآياتِ) خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أو حال من الهاء (وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) أي : القرآن وصف بصفة من هو سببه أو كأنه ينطق بالحكمة لكثرة حكمه. وقيل : هو اللوح المحفوظ وهو معلق بالعرش من درة بيضاء. ولما قال وفد نجران للرسول صلىاللهعليهوسلم : ما لك سببت صاحبنا؟ قال : وما أقول؟ قالوا : تقول إنه عبد قال : أجل هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول فغضبوا وقالوا : هل رأيت إنسانا قط من غير أب ، نزل.
(إِنَّ مَثَلَ عِيسى) أي : شأنه وحالته الغريبة (عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) أي : كشأنه في خلقه من غير أب وقوله تعالى : (خَلَقَهُ) أي : آدم (مِنْ تُرابٍ) جملة مفسرة لما له شبه عيسى بآدم أي : خلق آدم من تراب ولم يكن ثم أب ولا أم فكذلك حال عيسى.
فإن قيل : كيف شبه به وقد وجد هو من غير أب وآدم بغير أب وأم؟ أجيب : بأنّ مثله في أحد الطرفين ولا يمنع اختصاصه دونه بالطرف الآخر من تشبيه به ؛ لأنّ المماثلة مشاركة في بعض الأوصاف ، ولأنه شبه به في أنه وجد وجودا خارجا عن العادة المستمرة وهما في ذلك نظيران ، ولأنّ الوجود من غير أب وأم أغرب وأخرق للعادة من الوجود من غير أب ، فشبه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم وأحسم لمادة شبهته إذا نظر فيما هو أغرب مما استغربه. وعن بعض العلماء أنه أسر بالروم فقال لهم : لم تعبدون عيسى؟ قالوا : لأنه لا أب له قال : فآدم أولى ؛ لأنه لا أبوين له قالوا : كان يحيي الموتى قال فحزقيل أولى ؛ لأنّ عيسى أحيا أربعة أنفس؟ وحزقيل ثمانية آلاف فقالوا : كان يبرىء الأكمه والأبرص قال : فجرجيس أولى ؛ لأنه طبخ وأحرق ثم قام سالما. ومعنى خلق آدم من تراب أي : صوّر جسده من تراب (ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ) أي : أنشأه بشرا بأن نفخ فيه الروح كقوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) [المؤمنون ، ١٤] وقوله تعالى : (فَيَكُونُ) حكاية حال ماضية أي : فكان وكذلك عيسى قال له : كن من غير أب فكان ويجوز أن تكون ثم لتراخي الخبر لا