الخصمين ولم نرد مخالفتك ، وقيل : جاء أصحاب القتيل طالبين بدمه وقالوا : ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلا أن يحسن إلى صاحبنا ويوفق بينه وبين خصمه بالتقريب في الحكم دون الحمل على مرّ الحق.
(أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ) أي : من النفاق والبغض للإسلام وأهله وإن اجتهدوا في إخفائه وكذبهم في حلفهم وعذرهم (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) أي : عن عتابهم بالصفح ؛ لأنهم أقل من أن يحسب لهم حساب (وَ) لكن (عِظْهُمْ) أي : خوّفهم الله القادر على استئصالهم (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ) أي : في شأنها أو خاليا بهم فإن النصح في السر أنجع (قَوْلاً بَلِيغاً) أي : مؤثرا فيهم أي : ازجرهم ليرجعوا عن كفرهم ، وقيل : هذا منسوخ بآية القتال.
ولما أمر الله تعالى بطاعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وذم من حاكم إلى غيره وهدده وختم تهديده بأمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم بالإعراض عنه والوعظ له ، فكان التقدير فما أرسلناك وغيرك من الرسل إلا للرفق بالأمّة والصفح عنهم والدعاء لهم على غاية الجهد والنصيحة عطف عليه قوله :
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ) أي : فيما يأمر به ويحكم ؛ لأن منصبه الشريف يقتضي ذلك (بِإِذْنِ اللهِ) أي : بإرادته من أنه يطاع فلا يعصى ولا يخالف (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ) أي : حين (ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) أي : بالتحاكم إلى الطاغوت أو غيره (جاؤُكَ) أي : تائبين (فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ) بالتوبة والإخلاص (وَاسْتَغْفَرَ) أي : شفع (لَهُمُ الرَّسُولُ) أي : اعتذروا إليه حتى انتصب لهم شفيعا ، وإنما عدل عن الخطاب تفخيما لشأنه (لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً) عليهم (رَحِيماً) بهم ، وقرأ أبو عمرو بإدغام الراء في اللام بخلاف عنه.
(فَلا وَرَبِّكَ) أي : فوربك ولا مزيدة لتأكيد القسم (لا يُؤْمِنُونَ) أي : يوجدون هذا الوصف ويجدونه (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) أي : يجعلوك حكما (فِيما شَجَرَ) أي : اختلف واختلط (بَيْنَهُمْ) من كلام بعضهم لبعض للتنازع حتى كانوا كأغصان الشجرة في التداخل والتضايق (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً) أي : نوعا من الضيق (مِمَّا قَضَيْتَ) به عليهم (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) أي : وينقادوا لك انقيادا بظواهرهم وبواطنهم ، وفي الصحيح : إنّ الآية نزلت في الزبير وخصم له من الأنصار وقد شهد بدرا في شراج من الحرة كانا يستقيان بها النخل فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم للزبير : «اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك» فغضب الأنصاري وقال : يا رسول الله : أن كان ابن عمتك؟ فتلوّن وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم قال : «اسق يا زبير ثم احبس حتى يبلغ الجدر واستوف حقك ثم أرسله إلى جارك» (١) وقيل : نزلت في بشر المنافق واليهودي اللذين اختصما إلى عمر.
(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (٦٦) وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (٦٧) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٦٨) وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (٦٩) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً (٧٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (٧١) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ
__________________
(١) أخرجه البخاري في المساقاة حديث ٢٣٦٢ ، ومسلم في الفضائل حديث ٢٣٥٧ ، وأبو داود في الأقضية حديث ٣٦٣٦ ، والترمذي في الأحكام حديث ١٣٦٣ ، والنسائي في القضاة حديث ٥٤٠٧.