اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (٧٢) وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (٧٣) فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (٧٤) وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (٧٦) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧٧) أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (٧٨) ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٧٩))
(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) كما أمرنا بني إسرائيل ، أو تعرّضوا بها للقتل بالجهاد ، وإن مصدرية أو مفسرة ؛ لأنّ (كتبنا) في معنى أمرنا ، وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي بكسر النون في الوصل ، والباقون بالضم (أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ) أي : التي هي لأشباحكم كأشباحكم لأرواحكم توبة لربكم (ما فَعَلُوهُ) أي : المكتوب عليهم أي : إنا ما كتبنا عليهم إلا طاعة الله ورسوله والرضا بحكمه ولو كتبنا عليهم القتل والخروج من الديار ما كان يفعله (إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) قال الحسن ومقاتل : لما نزلت هذه الآية ، قال عمر وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وناس من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : وهم القليل والله لو أمرنا لفعلنا والحمد لله الذي عافانا فبلغ النبيّ صلىاللهعليهوسلم ذلك فقال : «إنّ من أمّتي لرجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي» (١) ، وقرأ ابن عامر قليلا بالنصب على الاستثناء والباقون بالرفع على البدل (وَلَوْ أَنَّهُمْ) أي : هؤلاء المنافقين (فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ) من طاعة الرسول صلىاللهعليهوسلم (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) في عاجلهم وآجلهم مما اختاروه لأنفسهم (وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) أي : تحقيقا لإيمانهم.
(وَإِذاً) أي : لو ثبتوا (لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا) أي : من عندنا (أَجْراً عَظِيماً) وهو الجنة (وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) يصلون بسلوكه جنات القدس وتفتح لهم أبواب الغيب قال صلىاللهعليهوسلم : «من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم» (٢) رواه أبو نعيم في حليته.
روي أنّ ثوبان مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان شديد الحب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم قليل الصبر عنه فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه يعرف الحزن في وجهه فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما غير لونك؟» فقال : يا رسول الله ما بي مرض ولا وجع غير أني إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ، ثم ذكرت الآخرة وأخاف أن لا أراك ؛ لأنك ترفع مع النبيين وإني إن دخلت الجنة كنت في منزلة
__________________
(١) أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال ٣٤٥٧٣ ، والسيوطي في الدر المنثور ٢ / ١٨١ ، وابن كثير في تفسيره ٢ / ٣٠٩.
(٢) أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ١ / ٤٠٣ ، ٣ / ٤٤٩ ، والسيوطي في الدر المنثور ١ / ٣٧٢ ، والقرطبي في تفسيره ١٣ / ٣٦٤ ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ١٠ / ١٥.