أدنى من منزلتك ، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبدا فأنزل الله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ) في امتثال أوامره والوقوف عند زواجره (وَالرَّسُولَ) أي : في كل ما أراده فإن منصب الرسالة يقتضي ذلك لا سيما من بلغ نهايتها (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) أي : معدود من حزبهم ، فهو بحيث إذا أراد زيارتهم أو رؤيتهم وصل إليهم بسهولة ، وقوله تعالى : (مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) بيان للذين حال منه أو من ضميره ، قسمهم أربعة أقسام بحسب منازلهم في العلم والعمل وحث كافة الناس على أن لا يتأخروا عنهم ، وهم الأنبياء الفائزون بكمال العلم والعمل المتجاوزون حدّ الكمال إلى درجة التكميل ، ثم الصدّيقون الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات وأخرى بمعارج التصفية والرياضات إلى أوج العرفان حتى اطلعوا على الأشياء وأخبروا عنها على ما هي عليه ، ثم الشهداء الذين أدّى بهم الحرص على الطاعة والجدّ في إظهار الحق حتى بذلوا مهجتهم في إعلاء كلمة الله تعالى ، ثم الصالحون الذين صرفوا أعمارهم في طاعته وأموالهم في مرضاته (وَحَسُنَ) أي : وما أحسن (أُولئِكَ) أي : العالون الأخلاق السابقون (رَفِيقاً) من الرفق وهو لين الجانب ولطافة الفعل ، وهو مما يستوي واحده وجمعه أي : رفيقا في الجنة بأن يستمتع فيها برؤيتهم ورؤيا ربهم والحضور معهم وإن كان مقرّهم في درجات عالية بالنسبة إلى غيرهم.
روي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رجلا قال : يا رسول الله الرجل يحب قوما ولم يلحق بهم قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «المرء مع من أحب» (١).
وروي أيضا أن رجلا قال : يا رسول الله متى الساعة؟ قال : «وما أعددت لها؟» فلم يذكر كثيرا إلا أنه يحب الله ورسوله قال : «فأنت مع من أحببت» (٢)
وقوله تعالى : (ذلِكَ) أي : كونهم مع من ذكر مبتدأ خبره (الْفَضْلُ مِنَ اللهِ) أي : تفضل به عليهم لا أنهم نالوه بطاعتهم (وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً) أي : بجزاء من أطاعه أو بمقادير الفضل واستحقاق أهله.
روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «قاربوا وسدّدوا واعلموا أنه لا ينجو أحد منكم بعمله» قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» (٣).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي : أقرّوا بالإيمان (خُذُوا حِذْرَكُمْ) من عدوّكم أي : احترزوا منه ، وتيقظوا له والحذر الحذر كالأثر الأثر (فَانْفِرُوا) أي : اخرجوا إلى قتاله مسرعين (ثُباتٍ) أي : جماعات متفرّقين سرية في أثر سرية جمع ثبة ، وهي الجماعة من الرجال فوق العشرة (أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) أي : مجتمعين كوكبة واحدة ، قال البيضاوي : والآية وإن نزلت في الحرب لكن يقتضي إطلاق لفظها وجوب المبادرة إلى الخيرات كلها كيفما أمكن قبل الفوات.
(وَإِنَّ مِنْكُمْ) الخطاب لعسكر النبيّ صلىاللهعليهوسلم المؤمنين منهم والمنافقين (لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) أي :
__________________
(١) أخرجه البخاري في الأدب حديث ٦١٦٨ ، ومسلم في البر حديث ٢٦٤١ ، وأبو داود في الأدب حديث ٥١٢٧.
(٢) أخرجه الترمذي في الزهد حديث ٢٣٨٥.
(٣) أخرجه البخاري في الرقاق حديث ٦٤٦٤ ، ومسلم في القيامة حديث ٢٨١٦.