ليتأخرن وليتثاقلن عن القتال وهم المنافقون كعبد الله بن أبيّ المنافق وأصحابه ، وإنما قال منكم لاجتماعهم مع أهل الإيمان في الجنسية والنسب وإظهار الإسلام لا في حقيقة الإيمان (فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) كقتل وهزيمة (قالَ) هذا المتبطىء جهلا منه وغلظة (قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ) أي : حين (لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) أي : حاضرا فأصاب.
(وَلَئِنْ) لام قسم (أَصابَكُمْ فَضْلٌ) أي : فتح وظفر وغنيمة (مِنَ اللهِ) الذي كل شيء بيده (لَيَقُولَنَ) نادما على ما فاته من الأغراض الدنيوية ، وأكده تنبيها على فرط تحسره وقوله تعالى : (كَأَنْ) مخففة واسمها محذوف أي : كأنه (لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) أي : معرفة وصداقة رجع إلى قوله : (قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَ) اعتراض بين القول ومقوله وهو (يا) للتنبيه (لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ) أي : بمشاركتهم في ذلك (فَوْزاً عَظِيماً) أي : آخذ حظا وافرا من الغنيمة ، وقرأ ابن كثير وحفص بالتاء في تكن على التأنيث والباقون بالياء على التذكير.
ولما بين أن محط رحال القاعد عن الجهاد الدنيا علم أن قصد المجاهد الآخرة فقال تعالى : (فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي : لإعلاء دينه (الَّذِينَ يَشْرُونَ) أي : يبيعون برغبة (الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) وهم المؤمنون ، والمعنى : إن تباطأ هؤلاء عن القتال فليقاتل المجاهدون الباذلون أنفسهم في طلب الآخرة ويشرون أي : يأخذون وهم المتباطئون فيختارونها على الآخرة ، والمعنى : حثهم على ترك ما حكي عنهم ، وفي هذا استعمال للمشترك في مدلوليه (وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) لإعلاء دينه (فَيُقْتَلْ) أي : يستشهد (أَوْ يَغْلِبْ) أي : يظفر بعدوّه (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) أي : ثوابا جزيلا ، وإنما وعد له الأجر العظيم غلب أو غلب ترغيبا في القتال وتكذيبا لقول المتبطىء (قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) وإنما قال : فيقتل أو يغلب تنبيها على أنّ المجاهد ينبغي أن يثبت في المعركة حتى يعدّ نفسه بالشهادة أو الدين بالظفر والغلبة وأن لا يكون قصده بالذات إلى القتل بل إلى إعلاء كلمة الحق وإظهار الدين.
روي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلمته أن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة» (١).
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت الصائم الذي لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجعه الله إلى أهله إنما يرجعه من غنيمة وأجر أو يتوفاه فيدخله الجنة» (٢) وقوله تعالى :
(وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ) استفهام توبيخ أي : لا مانع لكم من القتال (فِي سَبِيلِ اللهِ) لإعلاء دينه وقوله تعالى : (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ) عطف على اسم الله أي : وفي سبيل المستضعفين وهو تخليصهم من الأسر وصونهم عن العدوّ وقوله تعالى : (مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) بيان للمستضعفين وهم المسلمون الذين حبسهم الكفار عن الهجرة وآذوهم قال ابن عباس : كنت أنا
__________________
(١) أخرجه البخاري في الخمس حديث ٣١٢٣ ، ومسلم في الإمارة حديث ١٨٧٦ ، والنسائي في الجهاد حديث ٣١٢٢.
(٢) أخرجه البخاري في الجهاد حديث ٢٧٨٧ ، ومسلم في الإمارة حديث ١٨٧٨ ، والترمذي في الجهاد حديث ١٦١٩ ، والنسائي في الجهاد حديث ٣١٢٤.