ذكر الله» (١) ، وسمع سفيان رجلا يقول : ما أشدّ هذا الحديث فقال : ألم تسمع الله يقول : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) فهو هذا بعينه أو ما سمعته يقول : (وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر ، ١ ـ ٢] فهو هذا بعينه.
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة؟» قلنا : بلى يا رسول الله قال : «إصلاح ذات البين ، وإفساد ذات البين هي الحالقة» (٢).
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال «ليس بالكذاب من أصلح بين الناس فقال : خيرا أو أثنى خيرا» (٣)(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي : هذا المذكور (ابْتِغاءَ) أي : طلب (مَرْضاتِ اللهِ) أي : لا غيره من أمور الدنيا ؛ لأنّ الأعمال بالنيات (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ) أي : الله في الآخرة بوعد لا خلف فيه (أَجْراً عَظِيماً) هو الجنة والنظر إلى وجهه الكريم ، وفي هذه الآية دلالة على أنّ المطلوب من أعمال الظاهر رعاية أحوال الباطن في إخلاص النية وتصفية القلب من الالتفات إلى غرض دنيوي ، وقرأ أبو عمرو وحمزة (يؤتيه) بالياء ، والباقون بالنون.
(وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) أي : يخالفه فيما جاء به مأخوذ من الشق ، فإنّ كلا من المتخالفين في شق غير شق الآخر (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ) أي : ظهر (لَهُ الْهُدى) أي : الدليل الذي هو سببه (وَيَتَّبِعْ) طريقا (غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) أي : طريقهم الذي هم عليه من الدين بأن يتبع غير دين الإسلام (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) أي : نجعله واليا لما تولاه بأن نخلي بينه وبينه في الدنيا (وَنُصْلِهِ) أي : ندخله في الآخرة (جَهَنَّمَ) يحترق فيها (وَساءَتْ مَصِيراً) أي : مرجعا هي ، وقرأ أبو عمرو وشعبة وحمزة (نوله) و (نصله) بسكون الهاء ، واختلس كسرة الهاء قالون ولهشام وجهان : الاختلاس كقالون ، وإشباع الحركة كباقي القرّاء.
فإن قيل : ما الحكمة في فك الإدغام في قوله تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) والإدغام في سورة الحشر في قوله : (وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ) [الحشر ، ٤]؟ أجيب : بأن أل في لفظ الجلالة لازم بخلافه في الرسول واللزوم يقتضي الثقل ، فخفف بالإدغام فيما صحبته الجلالة بخلاف ما صحبه لفظ الرسول.
فإن قيل : يرد هذا قوله تعالى في سورة الأنفال : (وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ) [الأنفال ، ١٣] أجيب : أنه لما انضم الرسول إلى الله صار المعطوف والمعطوف عليه كالشيء الواحد (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) أي : وقوع الشرك به من أيّ شخص كان وبأي شيء كان (وَيَغْفِرُ ما) أي : كل شيء هو (دُونَ ذلِكَ) أي : من سائر المعاصي لكن (لِمَنْ يَشاءُ) لأنّ جميع الأمور بمشيئته.
روي «أنّ شيخا جاء إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله إني شيخ منهمك في الذنوب إلا أني لم أشرك بالله شيئا منذ عرفته وآمنت به ، ولم أتخذ من دونه وليا ولم أوقع المعاصي جراءة وما توهمت طرفة عين إني أعجز الله هربا وإني لنادم تائب مستغفر فما ترى حالي عند الله فنزلت (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً») عن الحق فإن الشرك أعظم أنواع الضلالة وأبعدها عن الصواب
__________________
(١) أخرجه الترمذي في الزهد حديث ٢٤١٢ ، وابن ماجه في الفتن حديث ٣٩٧٤.
(٢) أخرجه الترمذي في القيامة حديث ٢٥٠٩.
(٣) أخرجه البخاري في الصلح حديث ٢٦٩٢ ، ومسلم في البر حديث ٢٦٠٥ ، والترمذي في البر حديث ١٩٣٨.