ثواب أعمالهم (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي : ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا) عن عبادته (فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً) أي : مؤلما هو عذاب النار بما وجدوا من لذاذة الترفع والتكبر (وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ) أي : حالا ولا مآلا (مِنْ دُونِ اللهِ) أي : غيره (وَلِيًّا) يدفعه عنهم (وَلا نَصِيراً) يمنعهم منه.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ) أي : كافة أهل الكتاب وغيرهم (قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي : حجة نيرة واضحة مفيدة لليقين التام وهو رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالأدلة القاطعة من المعجزات وغيرها (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) أي : واضحا في نفسه موضحا لغيره وهو القرآن الجامع بإعجازه وحسن بيانه ، فلم يبق لكم عذر ولا علة ، وقيل : المراد بالبرهان المعجزات وبالنور القرآن.
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ) أي : بوعد لا خلف فيه (فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ) أي : ثواب عظيم هو رحمته لهم لا بشيء استوجبوه (وَفَضْلٍ) أي : إحسان زائد عليه (وَيَهْدِيهِمْ) أي : في الدنيا والآخرة (إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً) أي : طريقا مستقيما وهو الإسلام والطاعة في الدنيا والجنة في الآخرة.
(يَسْتَفْتُونَكَ) أي : في الكلالة حذف لدلالة الجواب عليه.
روي أن جابر بن عبد الله قال : «عادني رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنا مريض لا أعقل فتوضأ وصب عليّ من وضوئه فعقلت وقلت : يا رسول الله لمن الميراث وإنما يرثني كلالة» (١) فنزل : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) وقد تقدّم معنى الكلالة وحكم الآية في أوّل السورة وفي هذه الآية بيان حكم ميراث الإخوة للأب والأم أو للأب ، وقوله تعالى : (إِنِ امْرُؤٌ) هو مرفوع بفعل يفسره (هَلَكَ) أي : مات (لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) أي : ولا والد وهو الكلالة ، قال الأصبهاني عن الشعبي : اختلف أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما في الكلالة فقال أبو بكر : هو ما عدا الوالد ، وقال عمر : ما عدا الوالد والولد ثم قال عمر : إني لأستحي من الله أن أخالف أبا بكر وقوله تعالى : (وَلَهُ أُخْتٌ) يحتمل الحال والعطف والمراد بالأخت الأخت من الأبوين أو الأب لأنه جعل أخوها عصبة والذي لأم لا يكون عصبة والولد يشمل الذكر والأنثى فإنّ الأخت وإن ورثت مع البنت قد لا ترث النصف وذلك عند تعدد البنت (فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ) أي : هذا الأخ للميت (يَرِثُها) أي : إن ماتت هي وبقي هو جميع مالها (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) فإن كان لها ولد ذكر فلا شيء له أو أنثى فله ما فضل عن نصيبها ولو كانت الأخت أو الأخ من الأم ففرضه السدس كما مرّ أوّل السورة (فَإِنْ كانَتَا) أي : الأختان (اثْنَتَيْنِ) أي : فصاعدا لأنها نزلت في جابر وقد مات عن أخوات (فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ) أي : الأخ (وَإِنْ كانُوا) أي : الورثة (إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ) منهم (مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ) أي : ولم يكلكم في بيانه إلى بيان غيره ، وقال مرغبا مرهبا (إِنِ) أي : كراهة أن (تَضِلُّوا) وقيل : لئلا تضلوا فحذف لا وهو قول الكوفيين ، وقيل : يبيّن الله لكم ضلالكم أي : الذي من شأنكم أي : إذا خليتم وطباعكم لتحترزوا عنه وتتحروا خلافه (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فهو عالم بمصالح العباد في المحيا والممات ومنه الميراث.
روي عن البراء رضي الله تعالى عنه أنه قال : آخر سورة نزلت كاملة براءة ، وآخر آية نزلت قال
__________________
(١) تقدم الحديث مع تخريجه.