وخطبهم وقال : «ما بال أقوام يحرّمون النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا أما إني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ورهبانا فإنه ليس في ديني ترك اللحم ولا النساء ولا اتخاذ الصوامع وإن سياحة أمتي الصوم ورهبانيتهم الجهاد اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وحجوا واعتمروا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان واستقيموا يستقم لكم فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد شدّدوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فأولئك بقاياهم في الديارات والصوامع» (١) فأنزل الله تعالى هذه الآية فقالوا : يا رسول الله فكيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها وكانوا حلفوا على ما عليه اتفقوا فأنزل الله تعالى لا (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) [البقرة ، ٢٢٥] ، الآية.
وروي «أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يأكل الدجاج والفالوز وكان يعجبه الحلواء والعسل» وقال : «المؤمن حلو يحب الحلاوة» (٢) وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنّ رجلا قال له : إني حرمت الفراش فتلا هذه الآية وقال : «نم على فراشك وكفر عن يمينك» (٣) وعن الحسن : أنه دعي إلى طعام ومعه فرقد السبخي وأصحابه فقعدوا على المائدة وعليها الألوان من الدجاج والفالوز وغير ذلك فاعتزل فرقد ناحية فسأل الحسن أهو صائم فقالوا : لا ولكنه يكره هذه الألوان فقال : يا فريقد أترى لعاب النحل بلباب البر بخالص السمن يعيبه مسلم ، وعنه أنه قيل له : فلان لا يأكل الفالوز يقول : لا أؤدي شكره قال : أفيشرب الماء البارد؟ قال : نعم قال : إنه جاهل إن نعمة الله عليه في الماء البارد أكثر من نعمته عليه في الفالوز ، وعنه أنّ الله تعالى أدب عباده فأحسن أدبهم قال تعالى : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) [الطلاق ، ٧] ما عاب الله قوما وسع عليهم الدنيا فتنعموا وأطاعوه ولا عذر قوما ذواها عنهم فعصوه.
وروي أنّ عثمان بن مظعون أتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : ائذن لي في الاختصاء فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ليس منا من خصى ولا من اختصى إن خصاء أمتي الصيام» فقال : يا رسول الله ائذن لي بالسياحة فقال : «إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله» قال : يا رسول الله ائذن لي في الترهب قال : «إن ترهب أمتي الجلوس في المساجد لانتظار الصلاة» (٤).
وروي أنّ رجلا قال : يا رسول الله إني أصبت من اللحم فانتشرت فأخذتني شهوة فحرّمت اللحم فأنزل الله تعالى هذه الآية ، ولا تعارض بين الخبرين لأنّ الشيء الواحد قد يكون له أسباب جمة بعضها أقرب من بعض.
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم نهى عن التبتل نهيا شديدا وقال : «تزوّجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» (٥).
(وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) ولما كان الرزق يقع على الحرام قيده بعد القيد بالتبعيض بقوله : (حَلالاً طَيِّباً) وهو مفعول (كلوا) و (مما) حال منه تقدّمت عليه لأنه نكرة وقوله تعالى : (وَاتَّقُوا
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الأدب حديث ٤٩٠٤.
(٢) أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال ١٦١٢ ، والعجلوني في كشف الخفاء ٢ / ١٤٧ ، وعلي القاري في الأسرار المرفوعة ٢٩٠ ، ٤٣٩.
(٣) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٤) أخرجه بنحوه أبو داود في الجهاد حديث ٢٤٨٦.
(٥) أخرجه أبو داود في النكاح حديث ٢٠٥٠ ، والنسائي في النكاح حديث ٣٢٢٧.