اللهُ) تأكيد للتوصية بما أمر الله به وزاده تأكيدا بقوله : (الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) لأنّ الإيمان به يوجب التقوى في الانتهاء إلى ما أمر به وعمّا نهى عنه.
(لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ) الكائن (فِي أَيْمانِكُمْ) هو ما يبدو من المرء بلا قصد كقول الإنسان : لا والله وبلى والله وإليه ذهب الشافعيّ رحمهالله تعالى ، وقيل : هو الحلف على ما يظنّ أنه كذلك ولم يكن وإليه ذهب أبو حنيفة رحمهالله تعالى (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ) أي : وثقتم (الْأَيْمانَ) عليه بأن حلفتم عن قصد.
روي أنّ الحسن سئل عن لغو اليمين وكان عنده الفرزدق فقال : يا أبا سعيد دعني أجب عنك فقال (١) :
ولست بمأخوذ بلغو تقوله |
|
إذا لم تعمد عاقدات العزائم |
والمعنى : ولكن يؤاخذكم الله بما عقدتم إذا حنثتم أو بنكث ما عقدتم فحذف التقدير بأحد الأمرين للعلم به ، وقرأ ورش يواخذكم بإبدال الهمزة واوا مفتوحة ، وقرأ ابن ذكوان عاقدتم بألف بعد العين وتخفيف القاف والباقون بغير ألف مع تشديد القاف (فَكَفَّارَتُهُ) أي : اليمين إذا حنثتم فيه التي تذهب إثمه وتزيل أثره بحيث تصيرون كأنكم ما حلفتم.
(إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ) أي : لكل مسكين مدّ عندنا ونصف صاع عند أبي حنيفة رحمهالله (مِنْ أَوْسَطِ) أي : أعدل (ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) من برّ أو غيره لا من أعلاه ولا من أدناه (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) بما يسمى كسوة كقميص وعمامة وإزار وسراويل ومقنعة من صوف وقطن وكتان وحرير ولو لرجل وإن لم يجز له لبسه لوقوع اسم الكسوة عليه رديئا كان أو جيدا ويجزىء لبد أو فروة اعتبر في البلد لبسهما ولا يكفي دفع ما ذكر لمسكين واحد وعليه الشافعيّ ولا يكفي المكعب والنعل والخف والقلنسوة والتبان وهو سراويل قصيرة لا تبلغ الركبة ونحو ذلك مما لا يسمى كسوة (أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أي : مؤمنة كما في كفارتي القتل والظهار حملا للمطلق على المقيد وجوّز أبو حنيفة عتق الكافرة في كل كفارة إلا القتل ، وخرج بالتخيير بين هذه الثلاثة أنه لا يجزىء أن يطعم خمسة ويكسو خمسة كما لا يجزىء إعتاق نصف رقبة وإطعام خمسة (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) أي : بأن عجز عن أحد ما ذكر (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) أي : فكفارته صيام ثلاثة أيام ولا يجب تتابعها.
فإن قيل : قرىء شاذا متتابعات والقراءة الشاذة كخبر الواحد في وجوب العمل كما أوجبنا قطع يد السارق اليمنى بالقراءة الشاذة في قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) [المائدة ، ٣٨] ولأنّ من عادة الشافعي رحمهالله تعالى حمل المطلق على المقيد من جنسه وهو الظهار والقتل أجيب : بأنّ اليمين نسخ فيها متتابعات تلاوة وحكما فلا يستدل بها بخلاف آية السرقة فإنها نسخت تلاوة لا حكما وبأنّ المطلق ههنا متردّد بين أصلين يجب التتابع في أحدهما وهو كفارة الظهار والقتل ولا يجب في الآخر وهو قضاء رمضان فلم يكن أحد الأصلين في التتابع بأولى من الآخر ويسنّ تتابعها خروجا من خلاف أبي حنيفة فإنه شرط تتابعها.
تنبيه : المراد بالعجز أن لا يقدر على المال الذي يصرفه في الكفارة كمن يجد كفايته وكفاية من تلزمه مؤنته فقط ولا يجد ما يفضل عن ذلك وضابط ذلك : أنّ من جاز له أن يأخذ سهم الفقراء
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو في ديوان الفرزدق ٢ / ٢٩٨.