سلف من مسألتكم فلا تعودوا إلى مسألتها أو صفة أخرى أي : عن أشياء عفا الله عنها ولا يكلف بها.
روي أنه لما نزل (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) [آل عمران ، ٩٧] قال سراقة بن مالك : ألكل عام؟ فأعرض عنه صلىاللهعليهوسلم حتى أعاد ثلاثا فقال : «لا ولو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما استطعتم فاتركوني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فخذوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» (١).
(وَاللهُ غَفُورٌ) يمحو الزلات عينا وأثرا ويعقبها بالإكرام (حَلِيمٌ) لا يعجل على العاصي بالعقوبة.
وقوله تعالى : (قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ) الضمير فيه للمسألة التي دلّ عليها تسألوا ولذلك لم يعدّ بعن أو الأشياء بحذف الجار وقوله تعالى : (مِنْ قَبْلِكُمْ) قال البيضاويّ : متعلق بسألها وليس صفة لقوم فإن ظرف الزمان لا يكون صفة لجثة ولا حالا منها ولا خبرا عنها اه. قال أبو حيان : هذا محله في ظرف الزمان المجرّد من الوصف أمّا إذا لم يتجرّد عنه فيصح أن يكون صفة للجثة أو حالا منها أو خبرا عنها ، وقبل وبعد وصفان في الأصل فإذا قلت : جاء زيد قبل عمرو فالمعنى جاء في زمان قبل زمان مجيئه أي : تقدّم عليه ولذا صح وقوعه صلة للموصول ولو لم يلحظ فيه الوصف ولو كان ظرف زمان مجرّدا لم يجز أن يقع صلة قال تعالى : (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [البقرة ، ٢١] ولا يجوز والذين اليوم وممن سألها قبلهم ثمود سألوا صالحا الناقة وسأل قوم عيسى المائدة (ثُمَّ أَصْبَحُوا) أي : صاروا (بِها) أي : بسببها (كافِرِينَ) حيث لم يأتمروا بما سألوا جحودا.
وقوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ) ردّ وإنكار لما ابتدعته أهل الجاهلية.
روي أنّ أهل الجاهلية كانوا إذا نتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر يجزوا أذنها أي : شقوها وتركوا الحمل عليها وركوبها ولم يجزوا وبرها ولم يمنعوها الماء والكلأ وقيل : إنهم كانوا ينظرون إلى خامس ولدها فإن كان ذكرا نحروه فأكله الرجال والنساء وإن كان أنثى يجزوا أذنها أي : شقوها وتركوها ، وحرم على النساء لبنها ومنافعها وكانت منافعها خاصة للرجال وإذا ماتت حلت للرجال والنساء.
وأما السائبة : فكان الرجل منهم يقول : إن شفيت أو ردّ غائبي فناقتي سائبة ثم يسيبها فلا تحبس عن مرعى ولا ماء ولا تركب ويجعلها كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها وقيل : كانت الناقة إذا تابعت ثنتي عشرة سنة إناثا سيبت فلم يركب ظهرها ولم يجزّ وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف فإن نتجت بعد ذلك أنثى شق أذنها ثم يخلى سبيلها مع أمّها في الإبل فلم تركب ولم يجزّ وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف كما فعل بأمّها فهي البحيرة بنت السائبة.
وأمّا الوصيلة : فمن الغنم كانت إذا ولدت سبعة أبطن نظر فإن كان السابع ذكرا ذبحوه فأكل منه الرجال والنساء وإن كانت أنثى تركوها في الغنم وقيل : إذا ولدت الشاة أنثى فهي لهم وإن ولدت ذكرا فهو لآلهتهم فإن ولدت ذكرا وأنثى قالوا : وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم
__________________
(١) أخرجه مسلم في الحج حديث ١٣٣٧ ، والترمذي في الحج حديث ٨١٤ ، والنسائي في المناسك حديث ٣٦١٩ ، وابن ماجه في المناسك حديث ٢٨٨٤.