وكان ابن الأنثى حراما على النساء فإن مات منها شيء أكله الرجال والنساء جميعا.
وأمّا الحام : فهو الفحل إذا ركب ولد ولده ويقال : إذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا : قد حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى. وإذا مات أكله الرجال والنساء.
وروي «أنه صلىاللهعليهوسلم قال لأكثم الخزاعي : يا أكثم رأيت عمرو بن لحى يجرّ قصبه في النار فما رأيت من رجل أشبه برجل منك به ولا به منك وذلك أنه أوّل من غير دين إسماعيل ونصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي ولقد رأيته في النار يؤذي أهل النار بريح قصبه» فقال أكثم : أيضرني شبهه يا رسول الله؟ قال : «لا إنك مؤمن وهو كافر» (١) ومعنى (ما جَعَلَ اللهُ) أي : ما شرع ذلك ولا أمر بالتبحير ولا التسيب ولا غير ذلك (وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) في قولهم : إنّ الله أمرنا بها (وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) أنّ ذلك افتراء لأنهم قلدوا فيه آباءهم كما قال تعالى :
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا) أي : كافينا (ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) إذ لا مستند لهم سوى ذلك قال الله تعالى : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) أي : إلى الحق والاستفهام للإنكار أي : أحسبهم ما وجدوا عليه آباءهم ولو كانوا جهلة ضالين. وقرأ هشام والكسائيّ قيل بضم القاف قبل الياء والباقون بالكسر.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) أي : احفظوها والزموا إصلاحها (لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) أي : لا يضركم الضالّ إذا كنتم مهتدين ومن الاهتداء أن ينكر المنكر حسب طاقته كما قال عليه الصلاة والسّلام : «من رأى منكرا واستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه» (٢).
وروي عن أبي بكر الصدّيق رضي الله تعالى عنه أنه قال : يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) الآية وتضعونها غير موضعها ولا تدرون ما هي وإني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إنّ الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله بعذابه» (٣). وفي رواية «لتأمرن بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليستعملنّ الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب ثم ليدعون الله خياركم فلا يستجاب لهم» (٤).
قال أبو عبيدة : خاف الصدّيق رضي الله تعالى عنه أنه يتأوّل الناس الآية غير متأوّلها فيدعوهم إلى ترك الأمر بالمعروف فأعلمهم أنها ليست كذلك ، قال أبو ثعلبة الخشني : سألت عن هذه الآية رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحّا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ورأيت الأمر لا بدّ لك منه فعليك نفسك ودع أمر العامة وإن وراءكم أيام الصبر فمن صبر فيهنّ قبض على الجمر وإنّ وراءكم أياما للعامل فيهنّ مثل
__________________
(١) أخرجه البخاري في المناقب حديث ٣٥٢٢ ، ومسلم في الجنة حديث ٢٨٥٦.
(٢) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ٤٩ ، وأبو داود في الصلاة حديث ١١٤٠ ، والنسائي في الإيمان حديث ٥٠٠٨.
(٣) أخرجه الترمذي في الفتن حديث ٢١٦٨ ، وابن ماجه في الفتن حديث ٤٠٠٥.
(٤) أخرجه الترمذي في الفتن حديث ٢١٦٩.