وحواء وإبليس والحية ، وعلى هذين فالعداوة ثابتة بين آدم وإبليس والحية وذرية كل واحد من آدم وإبليس (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ) أي : جنسها (مُسْتَقَرٌّ) أي : موضع استقرار (وَ) لكم فيها (مَتاعٌ) أي : تمتع (إِلى حِينٍ) أي : انقضاء آجالكم ، وقيل : إلى انقطاع الدنيا ، وعن ثابت البناني رحمهالله تعالى لما أهبط آدم وحضرته الوفاة أحاطت به الملائكة فجعلت حواء تدور حولهم فقال لها : خلي ملائكة ربي فإنما أصابني الذي أصابني منك فلما توفي غسلته الملائكة بسرنديب بماء وسدر وترا وحنطته وكفنته في وتر من الثياب وحفروا له ولحدوه بسرنديب بأرض الهند وقالوا لبنيه : هذه سنتكم من بعده.
(قالَ) الله تعالى (فِيها) أي : الأرض (تَحْيَوْنَ) أي : تعيشون أيام حياتكم (وَفِيها تَمُوتُونَ) أي : وفيها وفاتكم وموضع قبوركم (وَمِنْها تُخْرَجُونَ) أي : يوم القيامة تخرجون للحشر والجزاء ، وقرأ ابن ذكوان وحمزة والكسائي بفتح التاء وضم الراء والباقون بضم التاء وفتح الراء.
(يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) أي : خلقناه لكم بتدبيرات سماوية وأسباب نازلة من مطر ونحوه ونظيره قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ) [الزمر ، ٦] وقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) [الحديد ، ٢٥] وقيل : كل بركات الأرض منسوبة إلى السماء (يُوارِي) أي : يستر (سَوْآتِكُمْ) أي : عوراتكم.
روي أنّ العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ويقولون : لا نطوف في ثياب عصينا الله تعالى فيها وكان الرجال يطوفون بالنهار والنساء يطوفون بالليل عراة قال قتادة : كانت المرأة تطوف وتضع يدها على فرجها وتقول (١) :
اليوم يبدو بعضه أو كله |
|
وما بدا منه فلا أحله |
فنزلت ، قال البيضاوي : ولعله سبحانه ذكر قصة آدم تقدمة لذلك حتى نعلم أنّ انكشاف العورة أوّل سوء أصاب الإنسان من الشيطان وأنه أغواهم في ذلك كما أغوى أبويهم (وَرِيشاً) أي : ولباسا تتجملون به والريش للطائر معروف وهو لباسه وزينته كالثياب للإنسان فاستعير للإنسان لأنه لباسه وزينته والمعنى : وأنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم ولباسا لزينتكم لأنّ الزينة غرض صحيح. كما قال تعالى : (لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) [النحل ، ٨] وقال تعالى : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ) [النحل ، ٦] وقال صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله جميل يحب الجمال» (٢) وقال ابن عباس : وريشا أي : مالا ، يقال : تريش الرجل تموّل ، ولما ذكر سبحانه وتعالى اللباس الحسي وقسمه إلى ساتر ومزين أتبعه اللباس المعنوي فقال : (وَلِباسُ التَّقْوى) قال ابن عباس : هو العمل الصالح ثم زاد الله تعالى في تعظيم المعنوي بقوله : (ذلِكَ خَيْرٌ) أي : ولباس التقوى هو خير من لباس الثياب لكونه أهم اللباسين لأنّ نزعه يكشف العورة الحسية والمعنوية فلو تجمل الإنسان بأحسن الملابس وهو غير متق كان كله سوآت ولو كان متقيا وليس عليه إلا خريقة ثوب تواري عورته كان في غاية الجمال والكمال وأنشدوا في المعنى (٣) :
إذا أنت لم تلبس ثيابا من التقى |
|
عريت وإن وارى القميص قميص |
__________________
(١) الرجز بلا نسبة في لسان العرب (حرم) ، وتاج العروس (ضبع) ، وتهذيب اللغة ٥ / ٤٨.
(٢) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ١٤٧ ، وأحمد في المسند ٤ / ١٣٣ ، ١٣٤ ، ١٥١ ، ٢٤١ ، والحاكم في المستدرك ١ / ٢٦.
(٣) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.