وقال قتادة : لباس التقوى هو الإيمان ، وقال الحسن : هو الحياء لأنه يبعث على التقوى ، وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه : هو السمت الحسن ، وقال ابن الزبير : هو خشية الله تعالى والعمل الصالح يشمل هذه الأمور كلها ، وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بنصب السين عطفا على (لباسا) والباقون بالرفع على الابتداء والخبر ذلك خير (ذلِكَ) أي : إنزال اللباس (مِنْ آياتِ اللهِ) الدالة على فضله ورحمته (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) فيعرفون نعمة الله فيتعظون ويتورعون عن القبائح وهذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقب ذكر بدوّ السوآت وخصف الورق عليها إظهارا للمنة فيما خلق من اللباس ، ولما في العري وكشف العورة من المهانة والفضيحة إظهارا وإشعارا بأنّ الستر باب عظيم من أبواب التقوى.
(يا بَنِي آدَمَ) أي : الذي خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي ثم أسكنته جنتي وأنزلته منها إلى دار محنتي (لا يَفْتِنَنَّكُمُ) أي : يضلنكم (الشَّيْطانُ) أي : البعيد المحترق بالذنوب أي : لا تتبعوه فتفتتنوا فيمنعكم بذلك من دخول الجنة ويدخلكم النار (كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) بفتنته بعد أن كانا سكناها وتمكنا فيها وتوطناها وقد علمتم أنّ الدفع أسهل من الرفع وقوله تعالى : (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما) حال من (أبويكم) أو من فاعل (أخرج) وإنما أضاف نزع اللباس إلى الشيطان وإن لم يباشر ذلك لأنّ نزع لباسهما بسبب وسوسة الشيطان وغروره فأسند إليه واختلفوا في اللباس الذي نزع عنهما فقال ابن عباس وقتادة : كان لباسهما الظفر فلما أصابا المصيبة نزع عنهما وبقيت الأظفار تذكرة وزينة ومنافع ، وقال وهب بن منبه : كان نورا يحول بينهما وبين النظر وتقدّم بعض ذلك ، وقال مجاهد : كان لباسهما التقوى ، وقيل : كان لباسهما من ثياب الجنة قال بعض المفسرين : وهذا أقرب لأنّ إطلاق اللباس يطلق عليه وإنّ النزع لا يكون إلا بعد اللبس ، اه. وتقدّم الكلام على قوله : (لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ) أي : الشيطان (يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ) أي : جنوده وقال ابن عباس : قبيله ولده ، وقال أبو زيد : نسله وإنما أعاد الكناية في قوله : (هو) ليحسن العطف والقبيل جمع قبيلة وهي الجماعة المجتمعة التي يقابل بعضها بعضا (مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) أي : للطافة أجسامهم أو عدم ألوانهم ، وعن ابن عباس أنه قال : إنّ الله تعالى جعلهم يجرون من ابن آدم مجرى الدم ، وجعل صدور بني آدم مساكن لهم إلا من عصمه الله تعالى كما قال تعالى : (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) [الناس ، ٥] فهم يرون بني آدم وبنو آدم لا يرونهم ، وعن مجاهد : قال إبليس : جعل لنا أربعة نرى ولا نرى ونخرج من تحت الثرى ويعود شيخنا فتى ، وعن ابن دينار أن عدوّا يراك ولا تراه لشديد المؤنة إلا من عصمه الله تعالى ومنع الرؤية إذا كانوا على خلقتهم الأصلية وإلا فقد يرون عند تشكلهم بصورة حيوان أو طير أو غير ذلك فإنّ للجنّ قوّة التشكل وهذا أمر شائع ذائع ، وقد رؤي إبليس على صورة شيخ وتمثل لكثير من العباد على صورة حية بل قال شيخنا القاضي زكريا : والحق جواز رؤيتهم حتى من تلك الجهة كما هو ظاهر الأحاديث الصحيحة وتكون الآية مخصوصة بها فيكونون مرئيين في بعض الأحيان لبعض الناس دون بعض (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ) أي : أعوانا وقرناء (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) لما بينهم من التناسب في الطباع.
(وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) كالشرك وطوافهم بالبيت عراة فنهوا عنه (قالُوا) معللين لارتكابهم إياها بأمرين : أحدهما قولهم : (وَجَدْنا عَلَيْها) أي : الفاحشة (آباءَنا) فاقتدينا بهم والثاني قولهم : (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) افتراء عليه سبحانه وتعالى فأعرض الله تعالى عن الأوّل لظهور فساده ورد عن الثاني بقوله : (قُلْ) لهم يا محمد (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) لأن عادته سبحانه وتعالى جرت على