أموالنا لذوي الميراث نجمعها |
|
ودورنا لخراب الدهر نبنيها |
وقال آخر (١) :
له ملك ينادي كل يوم |
|
لدوا للموت وابنوا للخراب |
وقال آخر (٢) :
وأمّ شمال فلا تجزعي |
|
فللموت ما تلد الوالدات |
وهذا مردود ؛ لأنّ المصير إلى التأويل إنما يحسن إذا ثبت الدليل العقلي على امتناع حمل اللفظ على ظاهره ، فإذا لم يثبت كان المصير إلى التأويل في هذا المقام عبثا ، فالحق مذهب أهل الحق جعلنا الله تعالى وأهل مودّتنا منهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم وآله ، ثم وصف الله تعالى هؤلاء الذين أضلهم بقوله تعالى : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها) أي : لا يبصرون بها طريق الحق والهدى (وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها) أي : الآيات والمواعظ سماع تأمّل وتذكر ، وقال أهل المعاني : إنّ الكفار لهم قلوب يفقهون بها مصالحهم المتعلقة بالدنيا ، ولهم أعين يبصرون بها المرئيات ، وآذان يسمعون بها الكلمات ، وهذا لا شك فيه ، ولما وصفهم الله تعالى بأنهم لا يفقهون ولا يبصرون ولا يسمعون مع وجود هذه الحواس الدرّاكة علم أنّ المراد من ذلك يرجع إلى مصالح الدين ، وما فيه نفعهم في الآخرة ، والعرب تقول مثل ذلك لمن ترك استعمال بعض جوارحه فيما لا يصلح له ، ومنه قول الشاعر (٣) :
وعوراء الكلام صممت عنها |
|
وإني إن أشاء بها سميع |
فإنه أثبت له صمما مع وجود السمع ولما سلب عنهم هذه المعاني كانت النتيجة (أُولئِكَ) أي : البعداء من المعاني الإنسانية (كَالْأَنْعامِ) في أنها لا تفهم ولا تعقل ذلك ؛ لأنّ الإنسان وسائر الحيوانات مشتركة في هذه الحواس الثلاث التي هي القلب والبصر والسمع ، وإنما فضل الإنسان على سائر الحيوانات بالعقل والإدراك والفهم المؤدّي إلى معرفة الحق من الباطل والخير من الشرّ ، فإذا كان الكافر لا يعرف ذلك ولا يدركه كان لا فرق بينه وبين البهائم التي لا تدرك شيئا ، ولما كانوا قد زادوا على ذلك بفقد نفع هذه الحواس قال تعالى : (بَلْ هُمْ أَضَلُ) سبيلا من الأنعام ؛ لأنّ الأنعام تعرف ما يضرّها وما ينفعها ، فإذا رأت نارا مثلا لا تقع فيها ، وإذا رأت كلأ مثلا دخلت فيه ، والكافر لا يعرف ذلك ؛ ولأنّ الحيوان لا قدرة له على تحصيل هذه الفضائل ؛ والإنسان أعطي القدرة على تحصيلها ، ومن أعرض عن اكتساب الفضائل العظيمة مع القدرة على تحصيلها كان أخس حالا ممن لم يكتسبها مع العجز عنها ؛ ولأنّ الأنعام مطيعة لله تعالى ، والكافر غير مطيع ، ولأنّ الأنعام تعرف ربها وتذكره ، وهم لا يعرفون ربهم ولا يذكرونه ؛ ولأنها تضل إذا لم يكن معها مرشد ، فأما إذا كان معها مرشد فقل أن تضل ، وهؤلاء الكفار قد جاءهم الأنبياء وأنزل عليهم الكتب ، وهم يزدادون في الضلالة.
__________________
(١) البيت من الوافر ، وهو للإمام علي في ديوانه ص ٣٨ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٢٩ ، ٥٣٠ ، وعجزه صدر بيت في ديوان أبي العتاهية ص ٣٣ ، والعجز بلا نسبة في الحيوان ٣ / ٥١ ،
(٢) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.
(٣) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.