ثم إنه تعالى ختم الآية بقوله : (أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) قال عطاء : عما أعدّ الله تعالى لأوليائه من الثواب ولأعدائه من العقاب.
(وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) ذكر ذلك في أربع سور أوّلها هذه السورة ، وثانيها في آخر سورة بني إسرائيل في قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [الإسراء ، ١١٠] وثالثها في أوّل طه وهو قوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [طه ، ٨] ورابعها في آخر الحشر في قوله تعالى : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [الحشر ، ٢٤] والحسنى مؤنث الأحسن كالكبرى والصغرى (فَادْعُوهُ بِها) أي : فسموه بتلك الصفات ، وللدعاء شروط منها أن يعرف الداعي معاني الأسماء التي يدعو بها ، ومنها أن يستحضر في قلبه عظمة المدعو سبحانه وتعالى ، ومنها أن يخلص إليه في دعائه ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إنّ لله تسعة وتسعين اسما مئة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة إنه وتر يحب الوتر» (١) وكان صلىاللهعليهوسلم يقول : «يا الله يا رحمن» فقال المشركون : إنّ محمدا وأصحابه يزعمون أنهم يعبدون ربا واحدا فما بال هذا يدعو اثنين فأنزل الله تعالى هذه الآية.
والأسماء الحسنى كما في الحديث «الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السّلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارىء المصوّر الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذلّ السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العليّ الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القويّ المتين الوليّ الحميد المحصي المبدىء المعيد المحيي المميت الحيّ القيوم الواجد الماجد الواحد الأحد الفرد الصمد القادر المقتدر المقدّم المؤخر الأوّل الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعال البرّ التوّاب المنتقم العفوّ الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغنيّ المغني المانع الضارّ النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور» (٢) ، رواه الترمذي.
قال النووي : اتفق العلماء على أنّ هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه تعالى وليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين ، وقوله : «من أحصاها دخل الجنة» المراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء ، ولهذا جاء في حديث آخر : «أسألك بكل اسم سميت به نفسك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك» (٣) وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن العربي المالكي عن بعضهم : «إنّ لله تعالى ألف اسم» قال ابن العربي : وهذا قليل وقوله صلىاللهعليهوسلم : «من أحصاها دخل الجنة» قال البخاري : من حفظها ، وهو قول أكثر المحققين ، وتعضده الرواية الأخرى من حفظها دخل الجنة ، وقيل : من أحضر بباله عند ذكرها معناها وتفكر في مدلولها ، وقوله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله وتر يحب الوتر» الوتر الفرد ، ومعناه في وصف الله تعالى : الواحد الذي لا شريك له ولا نظير واختلفوا هل الاسم الأعظم الله أو الحيّ القيوم وهل الاسم عين المسمى أو غيره؟ وفي ذلك خلاف ، وقد حققت ذلك في مقدمتي على البسملة والحمدلة (وَذَرُوا) أي : اتركوا (الَّذِينَ
__________________
(١) أخرجه مسلم في الذكر حديث ٢٦٧٧.
(٢) أخرجه الترمذي في الدعوات حديث ٣٥٠٧.
(٣) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ١٠ / ٢١٠.