جوّزوا الخطاب بما لا يفهم بها على عدم عصمة الأنبياء بوجوه : الأوّل : أنّ آدم عليهالسلام كان نبيا وارتكب المنهي والمرتكب له عاص ، والثاني : أنه جعله بارتكابه من الظالمين ، والظالم ملعون لقوله تعالى : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود ، ١٨] ، والثالث : أنه أسند إليه العصيان وألغي وقال : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) [طه ، ١٢١] ، والرابع : أنه تعالى لقنه التوبة وهي الرجوع عن الذنب والندم عليه ، والخامس : اعترافه بأنه خاسر لو لا مغفرة الله له بقوله : (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) [الأعراف ، ٢٣] والخاسر من يكون ذا كبيرة ، والسادس : أنه لو لم يذنب ما جرى عليه ما جرى. وأجيب عن ذلك بوجوه :
الأوّل : أنه لم يكن نبيا حينئذ والمدّعي مطالب بالدليل ولا دليل.
الثاني : أن النهي للتنزيه ، وإنما سمي ظالما وخاسرا لأنه ظلم نفسه وخسر حظه بترك الأولى وإنما أجرى الله تعالى ما جرى معاتبة على ترك الأولى ووفاء بما قاله تعالى للملائكة قبل خلق آدم :
(إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة ، ٣٠] ولا يكون خليفة في الأرض إلا بالإهباط إليها ، وأمر بالتوبة تلافيا لما فاته.
الثالث : أنه فعله ناسيا لقوله تعالى : (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [طه ، ١١٥] ولكن عوقب بترك التحفظ عن أسباب النسيان إذ رفع الإثم بالنسيان من خصائص هذه الأمّة كما ثبت في الأخبار الصحيحة كخبر الشيخين : «رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان» (١).
وروى الترمذيّ وصححه : «أشدّ الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل» (٢) رواه الحاكم بلفظ «أشدّ الناس بلاء الأنبياء ثم العلماء ثم الصالحون» (٣).
الرابع : أنه عليه الصلاة والسّلام أقدم عليه بسبب اجتهاد أخطأ فيه فإنه ظنّ أن النهي للتنزيه أو الإشارة إلى عين تلك الشجرة فتناول من غيرها من نوعها ، وكان المراد بالإشارة الإشارة إلى النوع لا إلى شجرة معينة كما روى أبو داود وغيره «أنه عليه الصلاة والسّلام أخذ حريرا وذهبا بيده وقال : هذان حرام على ذكور أمّتي حلّ لإناثها» (٤).
فإن قيل : المجتهد إن أخطأ لا يؤاخذ. أجيب : بأنه إنما عوتب على ذلك تعظيما لشأن الخطيئة ليجتنبها أولاده. وقرأ ورش بإمالة ألف النار بين بين ، وقرأ أبو عمرو والدوري عن الكسائي بالإمالة المحضة ، والباقون بالفتح.
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : أولاد يعقوب وإسرائيل لقبه ، ومعنى إسرا بالعبرانية عبد وإيل الله فمعناه : عبد الله ، وقيل : صفوة الله صلىاللهعليهوسلم (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) أي : بالتكثر فيها والقيام بشكرها ، والذكر يكون بالقلب ويكون باللسان ، وتقييد النعمة بهم لأن الإنسان غيور حسود بالطبع فإذا نظر إلى ما أنعم الله على غيره حمله الغيرة والحسد على الكفران والسخط وإن نظر إلى ما أنعم به عليه حمله حب النعمة على الرضا والشكر لله ، وقيل : أراد بها ما أنعم على آبائهم من فلق البحر وإنجائهم من فرعون بإغراقه وتظليل الغمام عليهم في التيه وإنزال المنّ والسلوى وغير
__________________
(١) أخرجه ابن ماجه في الطلاق حديث ٢٠٤٣ ، بلفظ : «إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان».
(٢) أخرجه الترمذي في الزهد حديث ٢٣٩٨.
(٣) أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ / ٣٤٣.
(٤) أخرجه أبو داود في اللباس حديث ٤٠٥٧ ، والنسائي في الزينة حديث ٥١٤٤.