١٥٩] وقال صلىاللهعليهوسلم : «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا» (١) وقال الشاعر (٢) :
خذي العفو مني تستديمي مودّتي |
|
ولا تنطقي في سورتي حين أغضب |
وقال عكرمة : لما نزلت هذه الآية قال عليه الصلاة والسّلام : يا جبريل ما هذا؟ قال : لا أدري حتى أسأل ، ثم رجع فقال : «إنّ الله تعالى يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك» (٣)(وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) أي : بالمعروف قال عطاء : بلا إله إلا الله (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) أي : فلا تقابلهم بالسفه ، وذلك مثل قوله تعالى : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) [الفرقان ، ٦٣] وذلك سلام المتاركة ، وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه : ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية ، وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : «لم يكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح» (٤) ، وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله بعثني بمكارم الأخلاق وتمام محاسن الأفعال» (٥).
قال أبو زيد لما نزل قوله تعالى : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «كيف يا رب والغضب» فنزل (وَإِمَّا) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما الزائدة (يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) أي : وسوسة وقوله تعالى : (فَاسْتَعِذْ) أي : فاستنجد (بِاللهِ) جواب الشرط وجواب الأمر محذوف أي : يدفعه عنك.
تنبيه : احتج الطاعنون في عصمة الأنبياء بهذه الآية ، وقالوا : لو لا أنه يجوز من النبي الإقدام على المعصية والذنب لم يحتج إلى الاستعاذة ، وأجيب عن ذلك بأجوبة : الأول إنّ معنى هذا الكلام إن حصل في قلبك نزغ فاستعذ بالله كما أنه تعالى قال : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر ، ٦٥] ولم يدل ذلك على أنه أشرك الثاني على تقدير أنه لو حصل وسوسة من الشيطان لكن الله تعالى قد عصم قلب نبيه صلىاللهعليهوسلم من قبولها وثباتها في قلبه وإنما القادح لو قبل صلىاللهعليهوسلم وسوسة والآية لا تدل على ذلك.
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «ما من إنسان إلا ومعه شيطان» (٦) وفي رواية : «ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة» قالوا : وإياك يا رسول الله؟ قال : «وإياي إلا أنّ الله تعالى أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير» وفي رواية : «لكنه أسلم بعون الله فلقد أتاني فأخذت بحلقه ولو لا دعوة سليمان لأصبح في المسجد طريحا» (٧) قال النووي : يروى بفتح الميم وضمها فمن ضمها معناه فأسلم أنا من شره وفتنته ومن فتحها قال معناه : إنّ القرين أسلم أي : صار مسلما
__________________
(١) أخرجه البخاري في العلم حديث ٦٩ ، ومسلم في الجهاد حديث ١٧٣٢ ، وأبو داود في الأدب حديث ٤٨٣٥.
(٢) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في لسان العرب (عفا) ، وتاج العروس (عفا).
(٣) أخرجه ابن حجر في فتح الباري ٨ / ٣٠٦.
(٤) أخرجه الترمذي في البر حديث ٢٠١٦.
(٥) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٨ / ١٨٨ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣١٩٤٧ ، والعجلوني في كشف الخفاء ١ / ٢٤٥.
(٦) روي الحديث بلفظ : «ما من أحد إلا وله شيطان». أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ١ / ٤٧٢.
(٧) أخرجه مسلم في القيامة حديث ٢٨١٤.