اجتمعا في آية واحدة وهي قوله تعالى : (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) [الزمر ، ٢٣] عند رجاء ثواب الله.
قال أهل التحقيق : الخوف على قسمين : خوف العقاب وهو خوف العصاة ، وخوف الجلال والعظمة ، وهو خوف الخواص ؛ لأنه تعالى غني بذاته عن كل الموجودات وما سواه من المخلوقات محتاجون إليه ، والمحتاج إذا حضر عند الملك الغني هابه وخافه ، وليست تلك الهيبة من العقاب بل مجرد علمه بكونه غنيا عنه وكونه محتاجا إليه يوجب تلك المهابة وذلك الخوف ، وأما العصاة فيخافون عقابه ، والمؤمن إذا ذكر الله وجل قلبه وخافه على قدر مرتبته (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) أي : تصديقا ويقينا ؛ لأن زيادة الإيمان بزيادة التصديق وذلك على وجهين :
الوجه الأوّل : وهو الذي عليه عامة أهل العلم على ما حكاه الواحدي إن كل من كانت عنده الدلائل أكثر وأقوى كان أزيد إيمانا ؛ لأنّ عند حصول كثرة الدلائل وقوّتها يزول الشك ويقوى اليقين ، فتكون معرفته بالله أقوى ، فيزداد إيمانه ، وإليه الإشارة بقوله عليه الصلاة والسّلام : «لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح» (١).
الوجه الثاني : وهو أنهم يصدقون بكل ما يتلى عليهم من عند الله ، ولما كانت التكاليف متوالية في زمنه صلىاللهعليهوسلم ، فكلما تجدد تكليف كانوا يزدادون تصديقا وإقرارا ، ومن المعلوم أن من صدّق إنسانا في شيئين كان أكثر ممن يصدّقه في شيء واحد ، فقوله تعالى : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) معناه : أنهم كلما سمعوا آية جديدة أتوا بإقرار جديد ، فكان ذلك زيادة في الإيمان والتصديق.
فإن قيل : إن تلك الآيات لا توجب الزيادة وإنما الموجب هو سماعها أو معرفتها أجيب : بأن ذلك هو المراد من الآية ، واختلفوا هل الإيمان يقبل الزيادة والنقصان أو لا؟ فالذين قالوا : إن الإيمان عبارة عن التصديق القلبي قالوا : لا يقبل الزيادة ولا النقصان ، والذين قالوا : إنه مجموع الاعتقاد والإقرار والعمل قالوا : يقبل الزيادة والنقصان ، واحتجوا بهذه الآية من وجهين :
الأوّل : أنّ قوله تعالى : (زادَتْهُمْ إِيماناً) يدل على أنّ الإيمان يقبل الزيادة ، ولو كان عبارة عن التصديق فقط لما قبل الزيادة ، وإذا قبل الزيادة فقد قبل النقص.
الوجه الثاني : أنه تعالى ذكر في هذه الآية أوصافا متعدّدة من أحوال المؤمنين ، ثم قال بعد ذلك : (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) وذلك يدل على أنّ تلك الأوصاف داخلة في مسمى الإيمان ، وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان» (٢) ففي الحديث دليل على أنّ للإيمان أدنى وأعلى ، فيكون قابلا للزيادة والنقص ، وقال عمير بن حبيب : إن للإيمان زيادة ونقصانا ، قيل له : فما زيادته وما نقصانه فقال : إذا ذكرنا الله وحمدناه ، فذلك زيادته ، وإذا
__________________
(١) أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ١ / ٣٢٣ ، وابن عدي في الكامل في الضعفاء ٤ / ١٥١٨ ، والبيهقي في شعب الإيمان ١ / ٦٩.
(٢) أخرجه البخاري في الإيمان باب ٣ ، ومسلم في الإيمان حديث ٥٧ ، ٥٨ ، وأبو داود في السنة باب ١٤ ، والنسائي في الإيمان باب ١٦ ، وابن ماجه في المقدمة باب ٩ ، وأحمد في المسند ٢ / ٤١٤ ، ٤٤٢.