حظوظ الآخرة (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) خافون في ذلك دون غيري.
(وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٤٤) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (٤٦) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (٤٧) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨) وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩) وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠))
(وَلا تَلْبِسُوا) أي : تخلطوا (الْحَقَ) الذي أنزلت عليكم من صفة محمد صلىاللهعليهوسلم (بِالْباطِلِ) الذي تخترعونه وتكتبونه بأيديكم من تغيير صفته (وَ) لا (تَكْتُمُوا الْحَقَ) أي : تكتموانعت النبيّ صلىاللهعليهوسلم(وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنكم لابسون الحق بالباطل كاتمون فإنه أقبح إذ الجاهل يعذر.
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أي : الصلوات الخمس بمواقيتها وحدودها (وَآتُوا الزَّكاةَ) أي : أدوا زكاة أموالكم المفروضة ، أمرهم بفروع الإسلام بعدما أمرهم بأصوله وفيه دليل على أنّ الكفار مخاطبون بها والزكاة مأخوذة من زكا الزرع إذا نما وكثر أو من الزكاة بمعنى الطهارة وكلا المعنيين موجود في الزكاة فإنّ إخراجها يستجلب بركة في المال ويثمر للنفس فضيلة الكرم ويطهر المال من الخبث والنفس من البخل (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) أي : صلوا مع المصلين محمد صلىاللهعليهوسلم وأصحابه في جماعتهم فإنّ صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ أي : الفرد بسبع وعشرين لما فيها من تظاهر أي : تعاون النفوس ، وعبر عن الصلاة بالركوع احترازا عن صلاة اليهود لأنّ صلاتهم لم يكن فيها ركوع أي : صلوا مع الذين في صلاتهم ركوع ، وقيل : الركوع الخضوع والانقياد لما يلزمهم الشارع ، قال الشاعر (١) :
لا تذلّ الضعيف (وروي لاتهين الفقير)علك (أي : لعلك)
أن تركع يوما والدهر قد رفعه
فتركع من الركوع بمعنى الانحناء والميل وأراد به الانحطاط من الرتبة.
ونزل في علماء اليهود وكانوا يقولون لأقربائهم المسلمين سرا : اثبتوا على دين محمد صلىاللهعليهوسلم فإنه حق ولا يتبعونه.
(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) أي : بالإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم في ذلك تقريع مع توبيخ وتعجيب ، والبرّ شرعا التوسع في الخير من البرّ بالفتح وهو الفضاء الواسع يتناول كل خير ولذلك قيل : البر ثلاثة : برّ في عبادة الله ، وبر في معاملة الأقارب ، وبر في معاملة الأجانب (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) أي : تتركونها من البرّ كالمنسيات ، وقيل : كانوا يأمرون بالصدقة ولا يتصدّقون (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) أي : التوراة وفيها الوعيد على العناد وترك البرّ ومخالفة القول العمل (أَفَلا تَعْقِلُونَ) سوء فعلكم فيصدّكم عنه ، أو فلا عقل لكم يمنعكم عما تعملون من عدم موافقة عاقبته لكم والآية ناعية على من
__________________
(١) البيت من المنسرح ، وهو للأضبط بن قريع في الأغاني ١٨ / ٦٨ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٥٠ ، والشعر والشعراء ١ / ٣٩٠ ، والمعاني الكبير ص ٤٩٥.