مشرك إلا دخل في عينيه وفمه ومنخره ، فانهزموا وردفهم المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم ، والمعنى إنّ الرمية التي رميتها بلغ أثرها إلى ما لا يبلغه أثر البشر لكونها كانت برمي الله حيث أثرت ذلك الأثر العظيم ؛ لأن كفا من الحصباء لا يملأ عيون الجيش الكثير برمية البشر فأثبت الرمية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنّ صورتها وجدت منه ونفاها عنه ؛ لأنّ أثرها الذي لا تطيقه البشر فعل الله تعالى ، فكان الله تعالى هو فاعل الرمية على الحقيقة ، وكأنها لم توجد من الرسول صلىاللهعليهوسلم أصلا.
القول الثاني : إنها نزلت يوم خيبر ، روي أنه عليه الصلاة والسّلام أخذ قوسا وهو على باب خيبر ، فرمى سهما ، فأقبل السهم حتى قتل لبابة بن أبي الحقيق وهو على فرسه فنزلت.
القول الثالث : إنها نزلت في يوم أحد في قتل أبيّ بن خلف ، وذلك إنه أتى النبي صلىاللهعليهوسلم بعظم رميم وفتته وقال : يا محمد من يحيي هذه وهي رميم؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : «يحييه الله ، ثم يميتك ، ثم يحييك ثم يدخلك النار» فأسر يوم بدر ، فلما افتدي قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّ عندي فرسا أعلفها كل يوم فرقا من ذرة أقتلك عليه ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بل أنا أقتلك إن شاء الله تعالى» فلما كان يوم أحد أقبل أبيّ يركض على ذلك الفرس حتى دنا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاعترض له رجال من المسلمين ليقتلوه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «استأخروا» ورماه بحربة كسر ضلعا من أضلاعه ، فمات ببعض الطريق فنزلت ، والأصح الأوّل وإلا أدخل في أثناء القصة كلاما أجنبيا عنها ، وذلك لا يليق ، وقال الرازي : لا يبعد أن يدخل تحته سائر الوقائع ؛ لأنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي : (وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ ، وَلكِنَّ اللهَ رَمى) بكسر النون مخففة ورفع الهاء من اسم الله فيهما والباقون بفتح النون مشدّدة ونصب الهاء وقوله تعالى : (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) معطوف على قوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) أي : ولينعم عليهم نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة ، ثم ختم الله تعالى هذه الآية بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لأقوالكم (عَلِيمٌ) بأحوال قلوبكم وهذا جرى مجرى التحذير والترهيب ؛ لئلا يغترّ العبد بظواهر الأمور ويعلم أنّ الخالق تعالى يطلع على ما في الضمائر والقلوب.
وقوله تعالى : (ذلِكُمْ) إشارة إلى البلاء الحسن ، ومحله الرفع أي : الغرض ذلكم ، وقوله تعالى : (وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ) معطوف على (ذلِكُمْ) أي : المقصود إبلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين وإبطال حيلهم.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الواو وتشديد الهاء وتنوين النون ونصب الدال ، وقرأ حفص بسكون الواو وتخفيف الهاء وعدم تنوين النون وخفض الدال والباقون بسكون الواو وتخفيف الهاء مع تنوين النون ونصب الدال.
وقوله تعالى : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) أكثر المفسرين على أنه خطاب للكفار.
روي أنّ أبا جهل لعنه الله قال يوم بدر : اللهمّ أينا كان أقطع للرحم وأفجر فأهلكه الغداة ، وقال السدي : إنّ المشركين لما أرادوا الخروج إلى بدر أخذوا بأستار الكعبة وقالوا : اللهمّ انصر أعلى الجندين وأهدى القبيلتين وأكرم الحزبين بأفضل الدين ، فأنزل الله تعالى هذه الآية أي : إن تستنصروا لأهدى القبلتين وتستقضوا ، فقد جاءكم النصر والقضاء بهلاك من هو كذلك ، وهو أبو جهل ، ومن قتل معه دون النبيّ صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين.
وقيل : خطاب للمؤمنين وذلك إنه صلىاللهعليهوسلم لما رأى المشركين وكثرة عددهم وعددهم استغاث بالله