بعد احتلام» (١) لا أب له وإن كان له أمّ وجد ، ومن فقد أمّه فقط يقال له : منقطع ، واليتيم في البهائم من فقد أمّه ، وفي الطير من فقد أباه وأمّه.
والصنف الرابع : ما ذكره الله تعالى بقوله : (وَالْمَساكِينِ) الصادقين بالفقراء والمسكين من له مال أو كسب لائق به يقع موقعا من كفايته ولا يكفيه العمر الغالب ، وقيل : سنة كمن يملك أو يكسب سبعة أو ثمانية ولا يكفيه إلا عشرة ، والفقير من لا مال له أو له ذلك ولا يقع موقعا من كفايته كمن يحتاج إلى عشرة ، ولا يملك أو لا يكتسب إلا درهمين أو ثلاثة.
والصنف الخامس : ما ذكره الله تعالى بقوله : (وَابْنِ السَّبِيلِ) وهو المسافر المحتاج ، ولا معصية بسفره والأخماس الأربعة الباقية للغانمين ، وهم من حضر القتال ولو في أثنائه بنية القتال وإن لم يقاتل أو حضر بلا نية وقاتل كأجير لحفظ أمتعة وتاجر ومحترف ، وقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ) متعلق بمحذوف دل عليه واعلموا أي : إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أنه جعل الخمس لهؤلاء فسلموه إليهم واقنعوا بالأخماس الأربعة الباقية ، فإنّ العلم العملي إذا أمر به لم يرد منه العلم المجرد ؛ لأنه مقصود بالعرض ، والمقصود بالذات هو العمل وقوله تعالى : (وَما) عطف على بالله (أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا) محمد صلىاللهعليهوسلم من الآيات والملائكة والنصر (يَوْمَ الْفُرْقانِ) أي : يوم بدر ، فإنه فرق به بين الحق والباطل (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) أي : جمع المؤمنين وجمع الكافرين ، وهو يوم بدر وهو أوّل مشهد شهده رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكان رأس المشركين عتبة بن ربيعة ، فالتقوا يوم الجمعة لتسعة عشر أو لسبعة عشر من رمضان وأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا والمشركون ما بين الألف والتسعمائة فهزم الله تعالى المشركين ، وقتل منهم سبعون ، وأسر منهم مثل ذلك (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على نصر القليل على الكثير ، والذليل على العزيز كما فعل ذلك بكم ذلك اليوم وقوله تعالى :
(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) أي : القربى من المدينة ، بدل من يوم الفرقان أو من يوم التقى الجمعان ، أو منصوب باذكروا مقدّرا ، والعدوة الدنيا مما يلي المدينة (وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) أي : البعدى من المدينة ، وهي مما يلي مكة وكان الماء بها ، وكان استظهار المشركين من هذا الوجه أشدّ.
والقصوى تأنيث الأقصى ، وكان قياسه قلب الواو كالدنيا والعليا ، ولكن لم تغلب تفرقة بين الاسم والصفة ، فإنها تقلب في الاسم دون الصفة على الأكثر وقيل : بالعكس وعلى الأوّل القصوى وإن كان صفة للعدوة في الآية كالدنيا لكن غلب عليها الاسمية لترك الوصف بها في أكثر الاستعمالات كما قاله ابن جني ، فالقصوى بالواو على القولين شاذ بالنظر إلى اسميتها في الأوّل وإلى وصفيتها في الثاني ، ومثال الصفة الخالصة حلوى تأنيث الأحلى فهي بالواو مقيسة على الأوّل شاذة على الثاني ، ومثال الاسم الخالص حزوى اسم مكان فهو بالواو شاذ على الأوّل مقيس على الثاني ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو العدوّة وهي شط الوادي بكسر العين فيهما ، والباقون بضمّ العين فيهما ، وأمّا الدنيا والقصوى فأمالهما حمزة والكسائي محضة ، وأبو عمرو بين بين ، وورش بالفتح وبين اللفظين (وَالرَّكْبُ) أي : العير التي خرجوا لها التي يقودها أبو سفيان (أَسْفَلَ مِنْكُمْ) أي : أسفل منكم على ساحل البحر على ثلاثة أميال من بدر ، وأسفل نصب على الظرفية معناه مكانا
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الوصايا حديث ٢٨٧٣.