أسفل من مكانكم ، وهو مرفوع المحل ؛ لأنه خبر المبتدأ (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ) أنتم والنفير للقتال (لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ) وذلك أنّ المسلمين خرجوا ليأخذوا العير راغبين في الخروج ، وخرج الكفار مرعوبين مما بلغهم من تعرّض رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأموالهم فيمنعوها من المسلمين ، فالتقوا على غير ميعاد لقلتهم وكثرة عدوّهم (وَلكِنْ) جمع الله تعالى بينهم على هذه الحالة من غير ميعاد (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) في علمه وهو نصر أوليائه وإعزاز دينه وإعلاء كلمته وقهر أعدائه ، وقوله تعالى : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) بدل من ليقضي أو متعلق بقوله : (مَفْعُولاً) واستعير الهلاك والحياة للكفر والإسلام أي : ليصدر كفر من كفر عن وضوح بينة لا عن مخالطة شبهة حتى لا يبقى له على الله حجة ، ويصدر إسلام من أسلم أيضا عن يقين وعلم بأنه دين الحق الذي يجب الدخول فيه والتمسك به ، فإنّ وقعة بدر من الآيات الواضحة التي من كفر بعدها كان مكابرا لنفسه مغالطا لها.
وقرأ نافع والبزيّ وشعبة بياءين : الأولى مكسورة والثانية مفتوحة ، والباقون بياء واحدة مشدّدة ، ثم إنه تعالى ختم الآية بقوله : (وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي : يسمع دعاءكم ويعلم حاجتكم وضعفكم لا تخفى عليه خافية.
(إِذْ) أي : واذكر يا محمد نعمة الله عليك إذ (يُرِيكَهُمُ اللهُ) أي : المشركين (فِي مَنامِكَ) أي : نومك (قَلِيلاً) فأخبرت أصحابك فسروا وقالوا : رؤيا النبيّ صلىاللهعليهوسلم حق ، وصار ذلك سببا لجرائتهم على عدوّهم وقوّة لقلوبهم.
فإن قيل : رؤيا الكثير قليلا غلط ، فكيف يجوز على الله تعالى؟ أجيب : بأنّ الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولا يسئل عما يفعل ، أو أنه تعالى أراه بعضهم دون بعض ، فحكم صلىاللهعليهوسلم على أولئك الذين رآهم بأنهم قليلون ، وقال الحسن : إنّ هذه الإراءة كانت في اليقظة قال : والمراد من المنام العين التي هي موضع النوم (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ) أي : ولو أراكم كثيرا لذكرته للقوم ولو سمعوا ذلك لفشلوا أي : جبنوا (وَلَتَنازَعْتُمْ) أي : اختلفتم (فِي الْأَمْرِ) أي : أمر القتال وتفرّقت آراؤكم بين الفرار والقتال (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) أي : سلمكم من الفشل والتنازع فيما بينكم ، وقيل : سلمكم من الهزيمة والقتل (إِنَّهُ) تعالى (عَلِيمٌ) أي : بالغ العلم (بِذاتِ الصُّدُورِ) أي : بما في القلوب من الجراءة والجبن والجزع وغير ذلك.
(وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ) أي : المؤمنون (إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً) أي : إنّ الله تعالى قلل عدد المشركين في أعين المؤمنين يوم التقوا في القتال ليتأكد في اليقظة ما رآه النبيّ صلىاللهعليهوسلم في منامه ، وأخبر به أصحابه ، وتقوى بذلك قلوب المؤمنين وتزداد جراءتهم ولا يجبنوا عن قتالهم.
قال ابن مسعود : لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي : أتراهم سبعين؟ قال : أراهم مائة ، فأسرنا رجلا منهم فقلنا : كم كنتم؟ قال : ألفا ، والضميران مفعولا يرى ، وقليلا حال من الثاني (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) أي : ويقللكم يا معشر المؤمنين في أعينهم أي : المشركين ؛ لئلا يهربوا وإذا استقلوا عدد المسلمين لم يبالغوا في الاستعداد والتأهب لقتالهم ، فيكون ذلك سببا لظهور المؤمنين.
قال السدّيّ : قال ناس من المشركين : إنّ العير قد انصرفت ، فارجعوا ، فقال أبو جهل : الآن إذ برز لكم محمد وأصحابه ، فلا ترجعوا حتى تستأصلوهم إنما محمد وأصحابه أكلة جزور يعني