المحو للذنوب التي تاب صاحبها عنها (رَحِيمٌ) به.
(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي : الذين أمرت بقتالهم (اسْتَجارَكَ) أي : طلب أن تعامله في الإكرام معاملة الجار بعد انقضاء مدّة السياحة (فَأَجِرْهُ) أي : فأمنه ودافع عنه من يقصده بسوء. (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) أي : القرآن بسماع التلاوة الدالة عليه فيعلم بذلك ما يدعى إليه من المحاسن ويتحقق أنه ليس من كلام الخلق (ثُمَ) إن أراد الانصراف ولم يسلم (أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) أي : الموضع الذي يأمن فيه وهو دار قومه لينظر في أمره ، ثم بعد ذلك يجوز لك قتلهم وقتالهم من غير غدر ولا خيانة. قال الحسن : هذه الآية محكمة إلى يوم القيامة.
تنبيه : أحد : مرفوع بفعل مضمر يفسره الظاهر وتقديره : وإن استجارك أحد ، ولا يجوز أن يرتفع بالابتداء ؛ لأن إن من عوامل الفعل ، فلا تدخل على غيره. (ذلِكَ) أي : الأمر بالإجارة للغرض المذكور (بِأَنَّهُمْ) أي : بسبب أنهم (قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) أي : لا علم لهم لأنهم لا عهد لهم بنبوّة ولا رسالة ولا كتاب ، فإذا علموا أوشك أن ينفعهم العلم ، وقوله سبحانه وتعالى :
(كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ) استفهام معناه الجحد أي : لا يكون لهم عهد عند الله ولا عند رسوله وهم يغدرون وينقضون العهد (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ) أي : من المشركين (عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) يوم الحديبية وهم المستثنون قبل (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ) أي : أقاموا على العهد ولم ينقضوه (فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) أي : على الوفاء وهو كقوله تعالى : (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) [التوبة ، ٤] غير أنه مطلق وهذا مقيد ، وما تحتمل الشرطية والمصدرية. (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) أي : من اتقى يوفي بعده لمن عاهده ، وقد استقام صلىاللهعليهوسلم على عهدهم حتى نقضوه بإعانة بني بكر على خزاعة.
وقوله تعالى :
(كَيْفَ) تكرار للاستبعاد بثبات المشركين على العهد وحذف الفعل لكونه معلوما أي : كيف يكون لهم عهد ثابت (وَإِنْ) أي : والحال أنهم مضمرون لكم الغدر والخيانة ، فهم إن (يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) أي : يعلو أمرهم على أمركم بأن يظفروا بكم بعد العهد والميثاق (لا يَرْقُبُوا) أي : لا يراعوا (فِيكُمْ) أي : في أذاكم بكل جليل وحقير (إِلًّا) أي : قرابة محققة قال حسان (١) :
لعمرك إن إلّك من قريش |
|
كإلّ السقب من رأل النعام |
السقب : ولد الناقة ، والرأل : ولد النعامة ، والخطاب في لعمرك لأبي سفيان ، أي : لا قرابة بينك وبين قريش كما لا قرابة بين ولد الناقة وولد النعامة. وقيل : إلا إلها ، وقيل : جبريل (وَلا ذِمَّةً) أي : عهدا بل يؤذوكم ما استطاعوا وقوله تعالى : (يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ) أي : بكلامهم كلام مبتدأ في وصف حالهم من مخالفة الظاهر الباطن مقرّر لاستبعاد الثبات منهم على العهد (وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ) أي : عن الوفاء به لمخالفة ما فيها من الأضغان (وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) أي : راسخو الأقدام في الفسق.
__________________
(١) البيت من الوافر ، وهو في ديوان حسان بن ثابت ص ١٠٥ ، ولسان العرب (ألل) ، وديوان الأدب ٤ / ١٥٥ ، وكتاب الجيم ٣ / ٢٢٦ ، وتاج العروس (ألل) ، وبلا نسبة في مقاييس اللغة ١ / ٢١ ، وكتاب العين ٨ / ٣٦١ ، والمخصص ٣ / ١٥١.