بأمره (وَقالُوا) أي : مع الرضا (حَسْبُنَا اللهُ) أي : كافينا الله من فضله (سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ) أي : من غنيمة أو صدقة أخرى ما يكفينا (إِنَّا إِلَى اللهِ) أي : في أنّ الله تعالى يغنينا عن الصدقة وغيرها من أموال الناس ويوسع علينا من فضله (راغِبُونَ) أي : عريقون في الرغبة ولذلك نكتفي بما يأتي من قبله كائنا ما كان وجواب لو محذوف والتقدير لكان خيرا لهم ، نقل عن عيسى عليهالسلام أنه مرّ بقوم يذكرون الله تعالى فقال : ما الذي حملكم عليه؟ فقالوا : الخوف من عقاب الله ، فقال : أصبتم ، ومر على قوم يشتغلون بالذكر فسألهم فقالوا : لا نذكره للخوف من العقاب ولا للرغبة في الثواب بل لإظهار ذلة العبودية وعزة الربوبية وتشريف القلب بمعرفته وتشريف اللسان بالألفاظ الدالة على صفات قدسه ، فقال : أنتم المحقون المحققون.
ثم بين سبحانه وتعالى مصارف الصدقات تحقيقا لما فعله الرسول صلىاللهعليهوسلم فقال عز من قائل : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ) أي : الزكوات مصروفة (لِلْفُقَراءِ) والفقير هو الذي لا يجد ما يقع موقعا من كفايته كأنه يحتاج إلى عشرة دراهم وهو لا يجد إلا درهمين أو ثلاثا مأخوذ من الفقار كأنه أصيب فقاره (وَالْمَساكِينِ) جمع مسكين وهو الذي يجد ما يقع موقعا من كفايته ولا يكفيه كأن يحتاج إلى عشرة وهو يجد سبعة أو ثمانية مأخوذ من السكون كأنّ العجز أسكنه والمسكين أعلى من الفقير ويدل عليه قوله تعالى : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ) [الكهف ، ٧٩].
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم تعوذ من الفقر وقيل : الفقير أعلى لقوله تعالى : (أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ) [البلد : ١٦] والعبرة عند الجمهور في عدم كفاية الفقير والمسكين بالعمر الغالب بناء على أنه يعطى كفاية ذلك (وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) أي : الزكاة فيعطى العامل وإن كان غنيا ويدخل في اسم العامل الساعي وهو الذي يبعثه الإمام لأخذ الزكاة والكاتب والحاشر والعريف وهو الذي يعرف أرباب الاستحقاق والحاسب والحافظ للأموال والكيال والوزان والعداد عمال إن ميزوا أنصباء الأصناف لا المميزون للزكاة من المال وجامعوه فإن أجرتهم على المالك. (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) وهم إما ضعيف النية في الإسلام فيعطى ليقوى إسلامه أو شريف في قومه يتوقع بإعطائه إسلام غيره أو كاف لناشر من يليه من الكفار أو مانعي الزكاة فيعطى حيث إعطاؤه أهون علينا من بعث جيش وأما مؤلفة الكفار لترغيبهم في الإسلام فلا يعطون من الزكاة ولا من غيرها للإجماع ولأنّ الله تعالى أعز الإسلام وأهله وأغنى عن التأليف. (وَفِي الرِّقابِ) وهم المكاتبون كتابة صحيحة فيعطون ما يؤدّون من النجوم إن عجزوا عن الوفاء ولو لم يحل النجم لأن قوله تعالى : (وَفِي الرِّقابِ) كقوله تعالى : (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) وهناك يعطى المال للمجاهدين فيعطى للرقاب فلا يشترى به رقاب للعتق كما قيل به : (وَالْغارِمِينَ) وهم من لزمتهم الديون وهم ثلاثة أضرب : دين لزمه لمصلحة نفسه ، ودين لزمه بضمان لا لتسكين فتنة ، ودين لزمه لتسكينها وهو إصلاح ذات البين فمن استدان لمصلحة نفسه أعطى لا إن استدان في معصية إلا إن تاب عنها فيعطى إذا احتاج وكان بحيث لو قضى دينه مما معه تمسكن فيترك له ما يكفيه ويعطي ما يقضي به بقية دينه ويعطى ولو قدر على قضائه بالكسب وكذا المكاتب ويشترط حلول الدين في إعطاء الغريم وإن ضمن لا لتسكين فتنة وهو معسر ملتزم بمال على معسر أعطي ما يقضي به دينه وإذا قضى به دينه لا يرجع على الأصيل وإن ضمن بإذنه وإنما يرجع إذا غرم من عنده ويعطى معسر ملتزم بمال على موسر بلا إذن من الأصيل لأنه إذا غرم لا يرجع عليه بخلاف ما إذا ضمن بإذنه ولا يعطى موسر ملتزم بمال على موسر وإن ضمن موسر ما على معسر أعطي الأصيل دون الضامن والغارم