بالجمع بيننا بعد التفرقة. (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ ،) أي : المعاصي (وَيَصْبِرْ ،) أي : على البليات وأذى الناس وقال ابن عباس : يتقي الزنا ويصبر على العزوبة ، وقال مجاهد : يتقي المعصية ويصبر على السجن (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) والمعنى : أنه من يتق ويصبر ، فإنّ الله لا يضيع أجرهم ، فوضع المحسنين موضع الضمير لاشتماله على المتقين ، وقرأ قنبل بإثبات الياء بعد القاف وقفا ووصلا ، واختلف المعربون في ذلك على وجهين : أجودهما : أنّ إثبات حرف العلة في الجزم لغة لبعض العرب وأنشدوا عليه قول قيس بن زهير (١) :
ألم يأتيك والأنباء تنمي |
|
بما لاقت لبون بني زياد |
وقول الآخر (٢) :
هجوت زبان ثم جئت معتذرا |
|
من هجو زبان لم تهجو ولم تدع |
وقول الآخر (٣) :
إذا العجوز غضبت فطلقي |
|
ولا ترضاها ولا تملّق |
والثاني : أنه مرفوع غير مجزوم ومن موصولة والفعل صلتها ، فلذلك تمم بإثبات لامه وسكن (يَصْبِرْ) لتوالي الحركات ، وإن كانت في كلمتين ، وقرأ الباقون بالحذف وقفا ووصلا.
ولما ذكر يوسف عليهالسلام لإخوته أنّ الله تعالى منّ عليه ، وأنه من يتق ويصبر فإنّ الله تعالى لا يضيعهم صدقوه فيه واعترفوا له بالفضل والمرتبة ولذلك. (قالُوا) مقسمين بقولهم : (تَاللهِ ،) أي : الملك الأعظم (لَقَدْ آثَرَكَ ،) أي : اختارك (اللهُ عَلَيْنا) بالعلم والعقل والحلم والحسن والملك والتقوى وغير ذلك ، واحتج بعضهم بهذه الآية على أنّ إخوته ما كانوا أنبياء ؛ لأنّ جميع المناصب التي تكون مغايرة لمنصب النبوّة كالعدم بالنسبة إليه ، فلو شاركوه في منصب النبوّة لما قالوا ذلك ، ثم قالوا : (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ ،) أي : والحال أن شأننا إنا كنا مذنبين بما فعلنا معك ، ولذلك أذلنا الله تعالى لك ، فكأنه قيل : ما قال لهم على قدرته وتمكنه مع ما سلف من
__________________
(١) البيت من الوافر ، وهو لقيس بن زهير في الأغاني ١٧ / ١٣١ ، وخزانة الأدب ٨ / ٣٥٩ ، ٣٦١ ، ٣٦٢ ، والدرر ١ / ١٦٢ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣٤٠ ، وشرح شواهد الشافية ص ٤٠٨ ، وشرح شواهد المغني ص ٣٢٨ ، ٨٠٨ ، والمقاصد النحوية ١ / ٢٣٠ ، ولسان العرب (أتى) ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٠٣ ، والأشباه والنظائر ٥ / ٢٨٠ ، والإنصاف ١ / ٣٠ ، وأوضح المسالك ١ / ٦ ، والجنى الداني ص ٥٠ ، وجواهر الأدب ص ٥٠ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٢٤ ، والخصائص ١ / ٣٣٣ ، ٣٣٧ ، ورصف المباني ص ١٤٩ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٨٧ ، ٢ / ٦٣١ ، وشرح الأشموني ١ / ١٦٨ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ١٨٤ ، وشرح المفصل ٨ / ٢٤ ، ١٠ / ١٠٤ ، والكتاب ٣ / ٣١٦ ، ولسان العرب (قدر) ، (رضي) ، (شظي) ، (يا) ، والمحتسب ١ / ٦٧* ٢١٥ ، ومغني اللبيب ١ / ١٠٨ ، ٢ / ٣٨٧ ، والمقرب ١ / ٥٠ ، ٢٠٣ ، والممتع في التصريف ٢ / ٥٣٧ ، والمنصف ٢ / ٨١ ، ١١٤ ، ١١٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٥٢.
(٢) البيت من البسيط ، وهو لزبان بن العلاء في معجم الأدباء ١١ / ١٥٨ ، وبلا نسبة في تاج العروس (زبب) ، (زبن) ، والإنصاف ١ / ٢٤ ، وخزانة الأدب ٨ / ٣٥٩ ، والدرر ١ / ١٦٢ ، وشرح التصريح ١ / ٨٧ ، ولسان العرب (يا) ، والمنصف ٢ / ١١٥.
(٣) الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص ١٧٩ ، وخزانة الأدب ٨ / ٣٥٩ ، ٣٦٠ ، والدرر ١ / ١٦١ ، وبلا نسبة في لسان العرب (رضي) ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٢٩.