الْأَرْضِ) [سبأ ، ٣] فما فائدة ذلك؟ أجيب : بأنّ الكلام هنا في حال أهلها ، والمقصود منه هو البرهان على إحاطة علمه ، على أنّ العطف بالواو حكمه حكم التثنية (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ) أي : الذرّة (وَلا أَكْبَرَ) أي : منها (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) أي : بين وهو اللوح المحفوظ. وقرأ حمزة برفع الراء من أصغر وأكبر على الابتداء والخبر ، والباقون بالنصب على أنّ ذلك اسم لا وفي كتاب خبرها.
(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ) أي : الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من لحوق مكروه (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) بفوات مأمول ، وفسرهم بقوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) الله بامتثال أمره ونهيه ، وهذا الذي فسر الله تعالى به الأولياء لا مزيد عليه. وعن علي رضي الله عنه : هم قوم صفر الوجوه من السهر ، عمش العيون من العبر ، خمص البطون من الخوا. وعن سعيد بن جبير أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم سئل من أولياء الله تعالى؟ فقال : «هم الذين يذكر الله برؤيتهم» (١) يعني السمت والهيئة. وعن ابن عباس : الإخبات والسكينة. وعن عمر رضي الله تعالى عنه سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إنّ من عباد الله عبادا ما هم بأنبياء ولا شهداء تغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله ، قالوا : يا رسول الله أخبرنا من هم؟ وما أعمالهم؟ فلعلنا نحبهم ، قال : هم قوم تحابوا في الله بغير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها ، فو الله إنّ وجوههم لنور ، وإنهم لعلى منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس» ثم قرأ الآية. ونقل النووي في مقدمة «شرح المهذب» عن الإمامين الشافعيّ وأبي حنيفة رضي الله تعالى عنهما أنّ كلا منهما قال : إذا لم تكن العلماء أولياء لله فليس لله وليّ. وذلك في العالم العامل بعلمه. وقال القشيري : من شرط الوليّ أن يكون محفوظا كما أن من شرط النبيّ أن يكون معصوما ، فكل من كان للشرع عليه اعتراض فهو مغرور مخادع. فالوليّ هو الذي توالت أفعاله على الموافقة.
ولما نفى الله عنهم الخوف والحزن زادهم فقال تعالى مبينا لتوليته لهم بعد أن شرع بتوليتهم له : (لَهُمُ الْبُشْرى) أي : الكاملة (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) أمّا البشرى في الدنيا ففسرت بأشياء منها : الرؤيا الصالحة ، فقد ورد أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «البشرى هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له» (٢). وقال صلىاللهعليهوسلم : «ذهبت النبوة وبقيت المبشرات» (٣) وقال : «الرؤيا الصالحة من الله ، والحلم من الشيطان ، فإذا حلم أحدكم حلما يخافه فليتعوّذ منه وليبصق عن شماله ثلاث مرّات فإنه لا يضرّه» (٤). وقال : «الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة» (٥) ومنها : محبة الناس
__________________
(١) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٣ / ٣٠٩ ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ٢٧ ، والطبراني في المعجم الكبير ١٢ / ١٣.
(٢) أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال ٤١٤٢٥.
(٣) أخرجه ابن ماجه في التعبير حديث ٣٨٩٦ ، والدارمي في الرؤيا حديث ٢١٣٨.
(٤) أخرجه البخاري في بدء الخلق حديث ٣٢٩٢ ، ومسلم في الرؤيا حديث ٢٢٦١ ، والترمذي في الرؤيا حديث ٢٢٧٧ ، وأبو داود في الأدب حديث ٥٠٢١ ، والدارمي في الرؤيا حديث ٢١٤١.
(٥) أخرجه البخاري في التعبير حديث ٦٩٨٩ ، ومسلم في الرؤيا حديث ٢٢٦٣.