تنبيه : قد تقدّم في سورة البقرة أنّ الله تعالى قال : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة ، ٢٣] وقدّمنا الكلام على ذلك وفي وجه كون القرآن معجزا قولان أحدهما : أنه معجز في نفسه. والثاني : أنه ليس في نفسه معجزا إلا أنه تعالى لما صرف دواعيهم عن الإتيان بمعارضته وكانت الدواعي متوفرة على الإتيان بهذه المعارضة مع التقديرات المذكورة يكون نقضا للعادة فيكون معجزا والقول الأوّل أظهر.
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٨٩) وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (٩٣) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥) قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦) وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٩٨) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (٩٩) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (١٠٠) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١))
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا) أي : بينا بوجوه مختلفة زيادة في التقرير والبيان (لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) أي : من كل معنى هو كالمثل في غرابته ووقوعه متوقعا في الأنفس. وقيل معناه من كل وجه من العبر والأحكام والوعد والوعيد والقصص وغيرها. وقيل صفة لمحذوف ، أي : مثلا من جنس كل مثل ليتعظوا (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ) وهم من هم في صورة الناس ككفار قريش وقد سلبوا معانيهم (إِلَّا كُفُوراً) أي : جحودا. فإن قيل : كيف جاز (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) ولم يجز ضربت إلا زيدا؟ أجيب : بأنّ أبى متأول بالنفي كأنه قيل فلم يرضوا إلا كفورا.
ولما تبين بالدليل إعجاز القرآن على وفق دعوى محمد صلىاللهعليهوسلم ولزمتهم الحجة وغلبوا أخذوا يتعللون باقتراح الآيات فعل المبهوت المحجوج المتعثر في أذيال الحيرة وذكروا من ذلك ستة أنواع من المعجزات.
أوّلها : (وَقالُوا) أي : كفار قريش ومن والاهم (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ) أي : تفجيرا عظيما (لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) أي : عينا غزيرة الماء من شأنها أن تنبع بالماء ولا ينضب ماؤها. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بفتح التاء وسكون الفاء وضم الجيم مخففة والباقون بضم التاء وفتح الياء وكسر الجيم المشدّدة.
ثانيها قولهم : (أَوْ تَكُونَ لَكَ) أنت وحدك (جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ) أي : وأشجار عنب عبر