القصة الثالثة : قصة يونس عليهالسلام المذكورة بقوله تعالى :
(فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (٩٨) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (١٠٠) قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (١٠١) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (١٠٢) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٣) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٤) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (١٠٩))
(فَلَوْ لا) أي : فهلا (كانَتْ قَرْيَةٌ) واحدة من قرى الأمم الماضية التي أهلكناها (آمَنَتْ) أي : آمن أهلها عند إتيان الآيات أو عند رؤية أسباب العذاب (فَنَفَعَها) أي : فتسبب عن إيمانها ذلك أنه نفعها (إِيمانُها) بأن تقبله الله تعالى منها وكشف العذاب عنها ، وقوله تعالى : (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) استثناء منقطع بمعنى لكن قوم يونس (لَمَّا آمَنُوا) أي : لما أخلصوا الإيمان أوّل ما رأوا آية العذاب ولم يؤخروه إلى حلوله (كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ويجوز أن يكون متصلا ، والجملة في معنى النفي لتضمن حرف التحضيض معناه كأنه قيل : ما آمن أهل قرية من القرى الهالكة فنفعهم إيمانهم إلا قوم يونس (وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) أي : إلى انقضاء آجالهم. روي عن ابن مسعود وغيره : أنّ قوم يونس كانوا بأرض نينوى من أرض الموصل ، فأرسل الله تعالى إليهم يونس عليهالسلام ، يدعوهم إلى الإيمان فدعاهم فأبوا فقيل له : إنّ العذاب مصبحهم إلى ثلاثة أيام فأخبرهم بذلك فقالوا : إنا لم نجرب عليك كذبا ، فانظروا فإن بات فيكم تلك الليلة فليس بشيء ، وإن لم يبت فاعلموا أنّ العذاب مصبحكم.
فلما كان في جوف تلك الليلة خرج يونس عليهالسلام من بين أظهرهم ، فلما أصبحوا تغشاهم العذاب فكان فوق رؤوسهم قدر ميل. وقال وهب : غامت السماء غيما عظيما ، أسود هائلا يدخن دخانا عظيما فهبط حتى غشى مدينتهم واسودّت سطوحهم ، فلما رأوا ذلك أيقنوا بالهلاك ، فطلبوا يونس بينهم فلم يجدوه ، وقذف الله تعالى في قلوبهم التوبة ، فخرجوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وأولادهم ودوابهم ولبسوا المسوح ، وأظهروا الإيمان والتوبة ، وأخلصوا النية ، وفرّقوا بين كل والدة وولدها من النساء والدواب فحنّ بعضها إلى بعض ، وعلت أصواتها واختلطت بأصواتهم ، وعجوا وتضرّعوا إلى الله تعالى وقالوا آمنا بما جاء به يونس عليهالسلام ، فرحمهمالله تعالى ، واستجاب دعاءهم ، وكشف عنهم العذاب بعد ما أظلهم. وكل ذلك يوم عاشوراء يوم الجمعة ، وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : بلغ من توبتهم أن ترادّوا المظالم حتى أنّ الرجل