وقرأ عاصم وحمزة في الوصل بكسر اللام والباقون بضمها ، وأمّا الهمزة من (انْظُرُوا) فكل القراء يبتدئون بالضم (وَما تُغْنِي الْآياتُ) أي : وإن كانت في غاية الوضوح (وَالنُّذُرُ) جمع نذير ، أي : الرسل (عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) في علم الله تعالى وحكمه.
تنبيه : قال النحويون : ما هنا تحتمل وجهين : الأوّل : أن تكون نفيا بمعنى أنّ هذه الآيات والنذر لا تفيد الفائدة في حق من حكم الله تعالى عليه بأنه لا يؤمن كقولك : لا يغني عنك المال إذا لم تنفق. والثاني : أن تكون استفهاما كقولك : أي شيء يغني عنهم ، وهو استفهام بمعنى الإنكار.
(فَهَلْ) أي : ما (يَنْتَظِرُونَ) أي : أهل مكة بتكذيبك (إِلَّا) أياما ، أي : وقائع (مِثْلَ أَيَّامِ) أي : وقائع (الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : من مكذبي الأمم كالقبط وقوم نوح وما انطوى بينهما من الأمم ، أي : مثل وقائعهم من العذاب (قُلْ) أي : قل لهم يا محمد (فَانْتَظِرُوا) أي : العذاب (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) أي : لنزول العذاب بكم.
وقوله تعالى : (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا) عطف على محذوف ، دل عليه قوله تعالى : (إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ) كأنه قيل : لنهلك الأمم ثم ننجي رسلنا ومن آمن بهم على حكاية الأحوال الماضية. وقرأ أبو عمرو وحده بسكون السين (كَذلِكَ) أي : كما نجينا رسلنا والذين آمنوا معهم من الهلاك (حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) أي : ننجيك يا محمد ومن آمن معك وصدّقك من الهلاك والعذاب. فإن قيل : قوله تعالى حقا يقتضي الوجوب والله تعالى لا يجب عليه شيء. أجيب : بأنّ ذلك حق بحسب الوعد والحكم لا أنه حق بحسب الاستحقاق لما ثبت أنّ العبد لا يستحق على خالقه شيئا وهو اعتراض بين المشبه والمشبه به ونصب بفعله المقدّر ، وقيل : بدل من ذلك. وقرأ حفص والكسائي بسكون النون الثانية والباقون بفتحها. وأمّا الوقف عليها فجميع القراء يقفون على الجيم ؛ لأنها مرسومة في المصحف بالجيم بلا ياء ، فهي في القرآن وقفا ووصلا بلا ياء لجميع القراء.
ولما ذكر تعالى الدلائل على أقصى الغايات وأبلغ النهايات أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم بإظهار دينه فقال : (قُلْ) يا محمد (يا أَيُّهَا النَّاسُ) أي : الذين أرسلت إليهم فشكوا في أمرك ولم يؤمنوا بك (إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) أي : الذي أدعوكم إليه أنه حق وأصررتم على ذلك وعبدتم الأصنام التي لا تضرّ ولا تنفع (فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي : غيره وهو الأصنام التي لا قدرة لها على شيء (وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) بقبض أرواحكم التي لا شيء عندكم يعدلها ، فإنه الذي يستحق العبادة ، وإنما خص الله تعالى هذه الصفة للتهديد. وقيل : إنهم لما استعجلوا بطلب العذاب أجابهم بقوله : ولكن أعبد الله الذي هو قادر على إهلاككم ونصري عليكم. (وَأُمِرْتُ أَنْ) أي : بأن (أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي : المصدّقين بما جاء من عند الله. وقيل : إنه لما ذكر العبادة وهي من أعمال الجوارح أتبعها بذكر الإيمان لأنه من أعمال القلوب. فإن قيل : كيف قال : (فِي شَكٍ) وهم كفار يعتقدون بطلان ما جاء به؟ أجيب : بأنه كان فيهم شاكون أو أنهم لما رأوا الآيات اضطربوا وشكوا في أمره صلىاللهعليهوسلم.
وقوله تعالى : (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ) عطف على (أَنْ أَكُونَ ،) غير أن صلة أن محكية بصيغة الأمر ولا فرق بينهما في الغرض ؛ لأنّ المقصود وصلها بما تضمن معنى المصدر ليدل معه عليه ، وصيغ الأفعال كلها كذلك سواء الخبر منها والطلب ، والمعنى : وأمرت بالاستقامة في الدين