فتكون على المؤمنين بردا وسلاما حتى أنّ للنار ضجيجا من بردها» (١) ولأنّ حرارة النار ليست بطبعها فالأجزاء الملاصقة لأبدان الكفار يجعلها الله تعالى محرقة مؤذية والأجزاء الملاصقة لأجزاء المؤمنين يجعلها بردا وسلاما كما في حق إبراهيم وكما أنّ الملائكة الموكلين بها لا يجدون ألمها وكما في الكوز الواحد من الماء كان يشربه القبطي فيكون دما ويشربه الإسرائيلي فيكون ماء عذبا.
وعن جابر بن عبد الله أنه سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عنه فقال : «إذا دخل أهل الجنة الجنة وقال بعضهم لبعض أليس وعدنا ربنا أن نرد النار فيقال لهم قد وردتموها وهي خامدة» (٢) وخامدة بخاء معجمة أي : ساكنة وروي بالجيم أي : باردة ولا بدّ من ذلك في الملائكة الموكلين بالعذاب حتى يكونوا في النار مع المعاقبين.
فإن قيل : فإذا لم يكن على المؤمنين عذاب في دخولهم فما الفائدة في ذلك الدخول؟ أجيب بوجوه ؛ أحدها : أنّ ذلك مما يزيدهم سرورا إذا علموا الخلاص منها.
ثانيها : أنّ فيه مزيد غم على أهل النار حيث يرون المؤمنين الذين هم أعداؤهم يتخلصون منها وهم يبقون فيها.
ثالثها : أنّ فيه مزيد غم على أهل النار حيث تظهر فضيحتهم عند المؤمنين.
رابعها : أنهم إذا شاهدوا ذلك العذاب صار سببا لمزيد التذاذهم بنعيم الجنة ، وقيل : المراد بالذين يردونها من تقدّم ذكرهم من الكفار فكنى عنهم أوّلا كناية الغيبة ثم خاطب خطاب المشافهة وعلى هذا القول فلا يدخل النار مؤمن واستدل له بقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) [الأنبياء : ١٠١ ، ١٠٢] والمبعد عنها لا يوصف بأنه واردها ولو وردوا جهنم لسمعوا حسيسها بقوله تعالى : (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) [النمل ، ٨٩] وروي عن مجاهد من حمّ من المؤمنين فقد وردها وفي الخبر «الحمى كير من جهنم وهي حظ المؤمن من النار» (٣) وفي رواية «الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء» (٤) وقوله : من فيح جهنم أي : وهجها وحرّها وقال ابن مسعود : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) يعني القيامة والكناية راجعة إليها قال البغوي : والأوّل أصح وعليه أهل السنة وروي «أنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير وفي رواية من إيمان» (٥) وعن ابن مسعود
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ٣٢٩ ، والحاكم في المستدرك ٤ / ٥٨٧ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٧ / ٥٥ ، ١٠ / ٣٦٠.
(٢) أخرجه بنحوه ابن عبد البر في التمهيد ٦ / ٣٥٥.
(٣) أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٩ / ١٧٦ ، ٥٢٩ ، والبخاري في التاريخ الكبير ٧ / ٦٣.
(٤) أخرجه البخاري في بدء الخلق باب ١٠ ، والطب باب ٢٨ ، ومسلم في السّلام حديث ٧٨ ، ٧٩ ، ٨٠ ، ٨١ ، والترمذي في الطب باب ٢٥ ، وابن ماجه في الطب باب ٩١ ، والدارمي في الرقاق باب ٥٥ ، في الترجمة ومالك في العين حديث ١٦ ، وأحمد في المسند ١ / ٢٩١ ، ٢ / ٢١ ، ٨٥ ، ١٣٤ ، ٦ / ٥٠ ، ٩١.
(٥) أخرجه أبو عوانة في مسنده ١ / ١٨٤ ، وابن أبي شيبة في الإيمان ٣٥ ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ٢ / ٢٦٢.