(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ) بجلال عزه وعظيم سلطانه (يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) فلا يخفى عليه شيء (إِنَّ ذلِكَ) أي : ما ذكر (فِي كِتابٍ) كتب فيه كل شيء حكم بوقوعه قبل وقوعه ، وكتب جزاؤه وهو اللوح المحفوظ (إِنَّ ذلِكَ) أي : علم ما ذكر (عَلَى اللهِ) وحده (يَسِيرٌ) أي : سهل ؛ لأنّ علمه مقتضى ذاته المتعلق بكل المعلومات على السواء.
(وَيَعْبُدُونَ) أي : المشركون على سبيل التجدّد والاستمرار (مِنْ دُونِ اللهِ) أي : من أدنى رتبة من رتبه الذي قامت جميع الدلائل على احتوائه على جميع صفات الكمال وتنزيهه عن شوائب النقص (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) أي : حجة واحدة من الحجج وهو الأصنام (وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ) حصل لهم من ضرورة العقل واستدلاله بالحجة (وَما لِلظَّالِمِينَ) أي : الذين وضعوا التعبد في غير موضعه لارتكابهم لهذا الأمر العظيم الخطر ، وأكد النفي واستغرق المنفي بإثبات الجار ، فقال تعالى : (مِنْ نَصِيرٍ) أي : ينصرهم من الله لا مما أشركوه به ولا من غيره فيدفع عنهم عذابه أو يقرّر مذهبهم.
(وَإِذا تُتْلى) أي : على سبيل التحذير والمبالغة من أيّ تال كان (عَلَيْهِمْ آياتُنا) أي : من القرآن حال كونها (بَيِّناتٍ) لا خفاء فيها عند من له بصيرة في شيء مما دعت إليه من الأصول والفروع (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : تلبسوا بالكفر (الْمُنْكَرَ) أي : الإنكار الذي هو منكر في نفسه ، فيظهر أثره في وجوههم من الكراهة والعبوس لما حصل لهم من الغيظ ، ثم بيّن ما لاح في وجوههم بقوله تعالى : (يَكادُونَ يَسْطُونَ) أي : يوقعون السطوة بالبطش والعنف (بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا) أي : الدالة على أسمائنا الحسنى وصفاتنا العليا القاضية بوحدانيتنا مع كونها بينات في غاية الوضوح في أنها كلامنا لما فيها من الحكم والبلاغة التي عجزوا عنها ، ثم أمر الله تعالى رسوله صلىاللهعليهوسلم أنّ يقابلهم بالوعيد بقوله تعالى : (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ) أي : أفأخبركم خبرا عظيما (بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ) بأكره إليكم من القرآن المتلوّ عليكم ، وقوله تعالى : (النَّارُ) كأنه جواب سائل قال : ما هو؟ فقيل : النار ، أي : هو النار ، ويجوز أنّ تكون مبتدأ خبره (وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) جزاء لهم فبئس الموعد هي (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي : النار.
ولما بين تعالى أنه لا حجة لعابد غيره اتبعه بأنّ الحجة قائمة على أنّ ذلك الغير في غاية الحقارة ، فقال تعالى مناديا أهل العقل منبها تنبيها عاما :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣) ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤) اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٧٥) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٧٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧) وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨))
(يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ) حاصله أنّ من عبدتموه من الأصنام أحقر منكم (فَاسْتَمِعُوا)