بيضة فأفرخت عنده ، فقال : يضمن البيضة ولا يرد الفرخ ؛ لأنه خلق آخر سوى البيضة ، اه. ولما كان هذا التفصيل لتطوير الإنسان سببا لتعظيم الخالق ؛ قال تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ) أي : تنزه عن كل شائبة نقص وحاز جميع صفات الكمال ، وأشار إلى جمال الإنسان بقوله تعالى : (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) أي : المقدرين ، ومميز أحسن محذوف أي : خلقا. روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما بلغ قوله (خَلْقاً آخَرَ) قال : «فتبارك الله أحسن الخالقين» (١) وروي «أنّ عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فنطق بذلك قبل إملائه فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اكتب هكذا فنزلت فقال عبد الله : إن كان محمد نبيا يوحى إليه فأنا نبي يوحى إليّ» ، فلحق بمكة كافرا ، ثم أسلم يوم الفتح ، وروى «سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : لما نزلت هذه الآية قال عمر بن الخطاب : فتبارك الله أحسن الخالقين فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هكذا أنزلت يا عمر» وكان عمر يقول : وافقني ربي في أربع : الصلاة خلف المقام ، وضرب الحجاب على النسوة ، وقولي لهن أو ليبدلن الله خيرا منكن فنزل قوله تعالى : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَ) [التحريم ، ٥] الآية ، والرابع : قلت : فتبارك الله أحسن الخلقين ، فقال : «هكذا نزل» (٢) قال العارفون : هذه الواقعة كانت سبب السعادة لعمر والشقاوة لعبد الله بن سعد بن أبي سرح فإنه قيل : إنه مات كافرا ؛ قال الله تعالى : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) [البقرة ، ٢٦].
المرتبة الثامنة : قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ) أي : الأمر العظيم من الوصف بالحياة والمد فى العمر في آجال متفاوتة ما بين طفل ورضيع ومحتلم شديد وشاب نشيط وكهل عظيم وشيخ هرم إلى ما بين ذلك من شؤون لا يحيط بها إلا اللطيف الخبير (لَمَيِّتُونَ) أي : لصائرون إلى الموت لا محالة ، ولذلك ذكر النعت الذي للثبوت وهو ميت دون اسم الفاعل ، وهو مائت ، فإنه للحدوث لا للثبوت.
المرتبة التاسعة : قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي : الذي تجمع فيه جميع الخلائق (تُبْعَثُونَ) للحساب والجزاء.
النوع الثاني : من الدلائل الاستدلال بخلق السموات وهو قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ) في جميع جهة الفوق في ارتفاع لا تدركونه حق الإدراك (سَبْعَ طَرائِقَ) أي : سموات جمع طريقة ؛ لأنها طرق الملائكة ومتعلقاتهم ، وقيل : الأفلاك لأنها طرائق الكواكب فيها مسيرها ، وقيل : لأنها طرق بعضها فوق بعض كطارقة النعل ، وكل شيء فوقه مثله ، فهو طريقة (وَما كُنَّا) أي : بما لنا من العظمة (عَنِ الْخَلْقِ) أي : الذي خلقناه تحتها (غافِلِينَ) أي : أنّ تسقط عليهم فتهلكهم بل نمسكها كآية ويمسك السماء أنّ تقع على الأرض إلا بإذنه ولا مهملين أمرها بل نحفظها عن الزوال والاختلاف وتدبير أمرها حتى تبلغ منتهى أمرها ، وما قدر لها من الكمال حسب ما اقتضته الحكمة وتعلقت به المشيئة.
النوع الثالث من الدلائل : الاستدلال بنزول الأمطار وكيفية تأثيرها في النبات ، وهو قوله
__________________
(١) أخرجه ابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ١ / ١٩٥.
(٢) أخرجه مسلم في المسافرين حديث ٢٧٠ ، وأبو داود في الوتر باب ٢٢ ، والترمذي حديث ٢٩٤٣ ، والنسائي في الافتتاح باب ٣٦ ، وأحمد في المسند ١ / ٢٤ ، ٤٠ ، ٤٣ ، ٤ / ٢٠٥.