ذلك اللهم لا يكون ذلك مكرا منك ، ثم تلا : (أَيَحْسَبُونَ) الآية. ولما ذكر أهل الافتراق ذكر أهل الوفاق ووصفهم بأربع صفات.
الأولى : قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ) أي : ببواطنهم (مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ) أي : الخوف العظيم من المحسن إليهم المنعم عليهم (مُشْفِقُونَ) أي : دائمون على الحذر.
الصفة الثانية : قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ) أي : القرآن (يُؤْمِنُونَ) أي : يصدقون.
الصفة الثالثة : قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ) أي : الذي لا محسن إليهم غيره (لا يُشْرِكُونَ) أي : شيئا من شرك في وقت من الأوقات كما لم يشركه في الإحسان إليهم أحد.
ولما أثبت لهم الإيمان الخالص نفى عنهم العجب بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ) أي : يعطون (ما آتَوْا) أي : ما أعطوا من الصدقة والأعمال الصالحة ، وهذه الصفة الرابعة (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) أي : شديدة الخوف أن لا يقبل منهم ولا ينجيهم من عذاب الله ، ثم علل ذلك بقوله تعالى : (أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ) أي : الذي طال إحسانه إليهم (راجِعُونَ) بالبعث ، فيجازيهم على النقير والقطمير ، ويجزيهم بكل قليل وكثير ، وهو الناقد البصير ، ولا تنفع هناك الندامة ، وليس هناك إلا الحكم العدل والحكم القاطع من جهة مالك الملك ؛ قال الحسن البصري : المؤمن جمع إيمانا وخشية ، والمنافق جمع إساءة وأمنا.
ثم أثبت لهم ما أفهم أن ضده لأضادهم بقوله تعالى : (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ) أي : يبادرون إلى الأعمال الصالحة قبل الموت.
ولما ذكر تعالى كيفية أعمال المؤمنين المخلصين ذكر أنه تعالى لا يكلف أحدا فوق طاقته بقوله تعالى : (وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي : طاقتها ، فمن لم يستطع أن يصلي الفرض قائما فليصل قاعدا ، ومن لم يستطع أن يصلي قاعدا فليصل مضطجعا ، ومن لم يستطع أن يصوم رمضان فليفطر ؛ لأنّ مبنى المخلوق على العجز (وَلَدَيْنا) أي : وعندنا (كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِ) بما عملته كل نفس ، وهو اللوح المحفوظ تسطر فيه الأعمال ، وقيل : كتب الحفظة ونظيره قوله تعالى : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) [الجاثية ، ٢٩] ، وقوله تعالى : (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) [الكهف ، ٤٩] ، فشبه تعالى الكتاب بمن يصدر عنه البيان ، فإن الكتاب لا ينطق لكنه يعرف بما فيه كما يعرف بنطق الناطق إذا كان محقا فإن قيل : ما فائدة ذلك الكتاب مع أن الله تعالى يعلم ذلك إذ لا تخفى عليه خافية؟ أجيب : بأنّ الله تعالى يفعل ما يشاء ، وقد يكون في ذلك حكمة لا يطلع عليها إلا هو تعالى (وَهُمْ) أي : الخلق كلهم (لا يُظْلَمُونَ) أي : لا ينقص من حسناتهم ، ولا يزاد في سيئاتهم.
ثم ذكر حال الكفار فقال تعالى : (بَلْ قُلُوبُهُمْ) أي : الكفرة من الخلق (فِي غَمْرَةٍ) أي : جهالة قد أغرقتها (مِنْ هذا) أي : القرآن أو الذي وصف به حال هؤلاء أو من كتاب الحفظة (وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ) المذكور للمؤمنين (هُمْ) أي : الكفار (لَها) أي : لتلك الأعمال الخبيثة (عامِلُونَ) أي : لا بد أن يعملوها فيعذبون عليها لما سبق من الشقاوة.
(حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ) أي : رؤساءهم وأغنياءهم (بِالْعَذابِ) قال ابن عباس : هو السيف يوم بدر ، وقيل : هو الجوع دعا عليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : «اللهم اشدد وطأتك على مضر