إِلَيْهِمْ) أي : الذين ذكرت أنهم يعبدون الشمس وذلك للاهتمام بأمر الدين ، وقرأ أبو عمرو وشعبة وخلاد بخلاف عنه فألقه بسكون الهاء ، واختلس الكسرة قالون وهشام بخلاف عنه ، والباقون بإشباع الكسرة. (ثُمَ) قال له إذا ألقيته إليهم (تَوَلَ) أي : تنحّ (عَنْهُمْ) إلى مكان تسمع فيه كلامهم ولا يصلون معه إليك (فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) أي : يردّون من الجواب ، وقال ابن زيد في الآية تقديم وتأخير ، مجازها اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ، ثم توّل عنهم أي : انصرف إليّ ، فأخذ الهدهد الكتاب وأتى إلى بلقيس وكانت بأرض يقال لها مأرب من صنعاء على ثلاثة أيام.
قال قتادة : فوافاها في قصرها وقد غلقت الأبواب وكانت إذا رقدت غلقت الأبواب وأخذت المفاتيح فوضعتها تحت رأسها ، فأتاها الهدهد وهي نائمة مستلقية على قفاها فألقى الكتاب على نحرها ، وقيل نقرها فانتبهت فزعة ، وقال مقاتل : حمل الهدهد الكتاب بمنقاره حتى وقف على رأس المرأة وحولها القادة والجنود فرفرف ساعة ، والناس ينظرون إليه حتى رفعت المرأة رأسها فألقى الكتاب في حجرها ، وقال وهب بن منبه وابن زيد : كانت لها كوة مستقبلة الشمس تقع الشمس فيها حين تطلع فإذا نظرت إليها سجدت لها ، فجاء الهدهد إلى الكوّة فسدها بجناحه فارتفعت الشمس ولم تعلم بها ، فلما استبطأت الشمس قامت تنظر إليها ، فرمى بالصحيفة إليها فأخذت بلقيس الكتاب وكانت قارئة فلما رأت الخاتم ارتعدت وخضعت لأنّ ملك سليمان كان في خاتمه وعرفت أنّ الذي أرسل الكتاب أعظم ملكا منها ، وقرأت الكتاب وتأخر الهدهد فجاءت حتى قعدت على سرير ملكها وجمعت الملأ من قومها وهم اثنا عشر ألف قائد مع كل قائد ألف مقاتل ، وعن ابن عباس قال : كان مع بلقيس مائة ألف ، قيل مع كل قيل مائة ألف ، والقيل : الملك دون الملك الأعظم ، وقال قتادة ومقاتل : كان أهل مشورتها ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا كل رجل منهم على عشرة آلاف ، فلما جاؤوا أخذوا مجالسهم.
(قالَتْ) لهم بلقيس (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ) وهم أشراف الناس وكبراؤهم (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَ) أي : بإلقاء ملق على وجه غريب (كِتابٌ) أي : صحيفة مكتوب فيها كلام وخبر جامع ، قال الزمخشريّ : وكانت كتب الأنبياء جملا لا يطنبون ولا يكثرون.
ولما حوى هذا الكتاب من الشرف أمرا باهرا لم يعهد مثله وصفته بقولها (كَرِيمٌ) وقال عطاء والضحاك : سمته كريما لأنه كان مختوما روي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «كرامة الكتاب ختمه» (١) ، «وكان عليهالسلام يكتب إلى العجم فقيل له إنهم لا يقبلون إلا كتابا عليه خاتم فاصطنع له خاتما» (٢) ، وعن ابن المقنع : من كتب إلى أخيه كتابا ولم يختمه فقد استخف به ، وقال مقاتل : كريم أي : حسن ، وعن ابن عباس : أي : شريف لشرف صاحبه ، وقيل : سمته كريما لأنه كان مصدرا ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).
ثم بينت ممن الكتاب فقالت : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) ثم بينت المكتوب فيه فقالت (وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).
__________________
(١) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٨ / ٩٩ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٢٩٢٩٥.
(٢) أخرجه البخاري في اللباس حديث ٥٨٧٥ ، ومسلم حديث ٢٠٩٢.