بِجُنُودٍ لا قِبَلَ) أي : لا طاقة (لَهُمْ بِها) أي : بمقابلتها (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها) أي : من أرضهم وبلادهم وهي سبأ (أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) أي : ذليلون لا يملكون شيئا من المنعة.
فإن قيل : فلنأتينهم ولنخرجنهم قسم فلا بدّ أن يقع؟ أجيب : بأنه معلق على شرط محذوف لفهم المعنى ، أي : إن لم يأتونى مسلمين ، قال وهب وغيره من أهل الكتب ، لما رجعت رسل بلقيس إليها من عند سليمان قالت لهم قد عرفت والله ما هذا بملك وما لنا به من طاقة فبعثت إلى سليمان أني قادمة عليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك وما تدعو إليه من دينك ، ثم أمرت بعرشها فجعلته داخل سبعة أبواب داخل قصرها وقصرها داخل سبعة قصور وأغلقت الأبواب وجعلت عليها حرّاسا يحفظونه ، ثم قالت لمن خلفت على سلطانها احتفظ بما وكلتك وبسرير ملكي لا يخلص إليه أحد حتى آتيك ، ثم أمرت مناديا ينادي في أهل مملكتها تؤذنهم بالرحيل وتجهزت للمسير فارتحلت في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن تحت يد كل قيل ألوف كثيرة.
قال ابن عباس : كان سليمان رجلا مهيبا لا يبتدأ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه ، فخرج يوما فجلس على سرير ملكه فرأى رهجا قريبا منه ، فقال ما هذا؟ قالوا بلقيس وقد نزلت منا على مسيرة فرسخ ، فأقبل سليمان حينئذ على جنوده بأن (قالَ) لهم (يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا) أي : الأشراف (أَيُّكُمْ) وفي الهمزتين ما تقدم (يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) أي : مؤمنين ، وقال ابن عباس : واختلفوا في السبب الذي لأجله أمر سليمان بإحضار عرشها فقال أكثرهم : لأنّ سليمان علم أنها إن أسلمت يحرم عليه مالها فأراد أن يأخذ سريرها قبل أن يحرم عليه أخذه بإسلامها ، وقيل : ليريها قدرة الله تعالى ببعض ما خصه به من العجائب الدالة على عظيم القدرة وصدقه في دعوى النبوّة في معجزة يأتي بها في عرشها ، وقال قتادة : لأنه أعجبته صفته لما وصفه الهدهد بالعظم فأحبّ أن يراه ، وقال ابن زيد : يريد أن يأمر بتنكيره وتغييره فيختبر بذلك عقلها.
(قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِ) وهو المارد القوي ، قال وهب : اسمه كودي ، وقيل : ذكوان ، وقال ابن عباس العفريت الداهي ، وقال الضحاك : هو الخبيث ، وقال الربيع : الغليظ ، وقال الفراء : القويّ الشديد ، قيل : إنّ الشياطين أقوى من الجنّ وأنّ المردة أقوى من الشياطين وأنّ العفريت أقوى منهما ، قال بعض المفسرين العفريت من الرجال الخبيث المتكبر ، وقيل : هو صخر الجني وكان بمنزلة جبل يضع قدمه عند منتهى طرفه ، وقوله تعالى (أَنَا آتِيكَ بِهِ) قرأه في الموضعين نافع بإثبات الألف من أنا وصلا ووقفا ، والباقون وصلا لا وقفا ، ثم بيّن سرعة إسراعه بقوله (قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) أي : الذي تجلس فيه للقضاء ، قال ابن عباس : كان له غداة كل يوم مجلس يقضي فيه إلى نصف النهار ، ثم أوثق الأمر وأكده بقوله (وَإِنِّي عَلَيْهِ) أي : على الإتيان به سالما (لَقَوِيٌ) أي : على حمله لا يحصل عجزي عنه (أَمِينٌ) أي : على ما فيه من الجواهر وغيرها ، قال سليمان عليهالسلام أريد أسرع من ذلك.
(قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) المنزل وهو علم الوحي والشرائع ، وقيل : كتاب سليمان ، وقيل : اللوح المحفوظ ، والذي عنده علم من الكتاب جبريل ، قال البقاعي ولعله التوراة والزبور انتهى ، وفي ذلك إشارة إلى أنّ من خدم كتاب الله حق الخدمة كان الله تعالى معه ، كما ورد في شرعنا «كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويديه التي يبطش بها ورجله التي