يمشي عليها» (١) ، أي : أنه يفعل له ما يشاء.
واختلفوا في تعيينه : فقال أكثر المفسرين : هو آصف بن برخيا كاتب سليمان ، وقيل اسمه أسطوم وكان صديقا عالما يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب وإذا سئل به أعطى ، وقيل ملك أيد الله تعالى به سليمان عليهالسلام ، وعن ابن لهيعة بلغني أنه الخضر عليهالسلام (أَنَا آتِيكَ بِهِ) ثم بين فضله على العفريت بقوله (قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ) أي : يرجع (إِلَيْكَ طَرْفُكَ) أي : بصرك إذا طرفت أجفانك فأرسلته إلى منتهاه ، ثم رددته فالطرف : تحريكك أجفانك إذا نظرت فوضع في موضع النظر.
ولما كان الناظر موصوفا بإرسال الطرف في نحو قوله (٢) :
وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا |
|
لقلبك يوما أتعبتك المناظر |
وصف برد الطرف ووصف الطرف بالارتداد ، روي أن آصف قال لسليمان مدّ عينيك حتى ينتهي طرفك ، فمدّ سليمان عينيه فنظر نحو اليمين ودعا آصف فبعث الله تعالى الملائكة فحملوا السرير من تحت الأرض يجدّون جدا حتى انخرقت الأرض بالسرير بين يدي سليمان ، وقال الكلبي : خرّ آصف ساجدا ودعا باسم الله الأعظم فغار عرشها تحت الأرض حتى نبع تحت كرسي سليمان بقدرة الله تعالى ، وقيل : كانت المسافة شهرين ، وقال سعيد بن جبير : يعني من قبل أن يرجع إليك أقصى من ترى وهو أن يصل إليك من كان منك على مدّ بصرك ، وقال قتادة : قبل أن يأتيك الشخص من مدّ البصر ، وقال مجاهد : يعني : إدامة النظر حتى يرد البصر خاسئا ، قال الزمخشري : ويجوز أن يكون هذا مثلا لاستقصار مدّة المجيء به ، كما تقول لصاحبك افعل ذلك في لحظة وفي ردّ طرف والتفت ترني وما أشبه ذلك تريد السرعة انتهى.
واختلفوا في الدعاء الذي دعا به آصف : فقال مجاهد ومقاتل : بياذا الجلال والإكرام ، وقال الكلبي : يا حيّ يا قيوم ، وروي ذلك عن عائشة رضي الله عنها ، وروي عن الزهريّ قال دعاء الذي عنده علم من الكتاب يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت ائتني بعرشها ، وعن الحسن يا الله يا رحمن ، وقال محمد بن المنكدر إنما هو سليمان قال له عالم من بني إسرائيل آتاه الله تعالى علما وفهما أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك قال سليمان هات قال أنت النبيّ ابن النبيّ وليس أحد أوجه عند الله منك فإن دعوت الله كان عندك فقال صدقت ففعل ذلك فجيء بالعرش في الوقت.
قال الرازي وهذا القول أقرب واستدل لذلك بوجوه منها : أنّ سليمان كان أعرف بالكتاب من غيره لأنه هو النبي فكان صرف اللفظ إليه أولى ، ومنها : أنّ إحضار العرش في تلك الساعة اللطيفة درجة عالية فلو حصلت لآصف دون سليمان لاقتضى ذلك قصور حال سليمان في أعين الخلق ، ومنها : أنه قال هذا من فضل ربي فظاهره يقتضي أن يكون ذلك المعجز قد أظهره الله تعالى بدعاء سليمان.
(فَلَمَّا رَآهُ) أي : رأى سليمان العرش (مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) أي : حاصلا بين يديه (قالَ) شاكرا
__________________
(١) أخرجه البخاري في الرقاق حديث ٦٥٠٢.
(٢) البيت بلا نسبة في الكشاف للزمخشري ٣ / ٣٢٢.