واندرست العلوم وانقطع الوحي فحذف المستدرك وهو أوحينا وأقام سببه وهو الإنشاء مقامه على عادة الله تعالى في اختصاراته فهذا الاستدراك شبيه بالاستداركين بعده ، فإن قيل : ما الفائدة في إعادة قوله تعالى : (وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) بعد قوله : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) لأنه ثبت بذلك أنه لم يكن شاهدا لأنّ الشاهد لا بدّ أن يكون حاضرا؟ أجيب : بأنّ ابن عباس قال : التقدير لم تحضر ذلك الموضع ولو حضرت ما شاهدت تلك الوقائع فإنه يجوز أن يكون هناك ولا يشهد ولا يرى.
وقرأ أبو عمرو في الوصل بكسر الهاء والميم ، وحمزة والكسائي بضمّ الهاء والميم ، وحمزة في الوقف بضمّ الهاء وسكون الميم ، والباقون في الوصل بكسر الهاء وضمّ الميم.
ولما نفي العلم عن ذلك بطريق الشهود نفي سبب العلم بذلك بقوله تعالى : (وَما كُنْتَ ثاوِياً) أي : مقيما إقامة طويلة مع الملازمة بمدين (فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) أي : قوم شعيب عليهالسلام كمقام موسى وشعيب فيهم (تَتْلُوا) أي : تقرأ (عَلَيْهِمُ) تعلما منهم (آياتِنا) العظيمة التي منها قصتهما لتكون ممن يهتم بأمور الوحي ويتعرّف دقيق أخباره فيكون خبرهم وخبر موسى عليهالسلام معك (وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) إياك رسولا وأنزلنا عليك كتابا فيه هذه الأخبار تتلوها عليهم ولو لا ذلك ما علمتها ولم تخبرهم بها.
(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ) أي : بناحية الجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليهالسلام (إِذْ) أي : حين (نادَيْنا) أي : أوقعنا النداء لموسى عليهالسلام فأعطيناه التوراة وأخبرناه بما لا يمكن الاطلاع عليه إلا من قبلنا أو من قبله ، ومن المشهور أنك لم تطلع على شيء من ذلك من قبله لأنك ما خالطت أحدا ممن حمل تلك الأخبار عن موسى عليهالسلام ولا أحدا حملها ممن حملها عنه ولكن كان ذلك إليك منا ، وهو معنى قوله تعالى (وَلكِنْ) أي : أنزلنا ما أردنا وأرسلناك به (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) لك خصوصا وللخلق عموما.
وقيل : إذ نادينا موسى خذ الكتاب بقوّة ، وقال وهب : قال موسى يا رب أرني محمدا قال : إنك لن تصل إلى ذلك وإن شئت ناديت أمّته وأسمعتك صوتهم قال : بلى يا رب فقال الله تعالى : يا أمّة محمد فأجابوه من أصلاب آبائهم ، وقال أبو زرعة : نادى يا أمّة محمد قد أجبتكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني ، وروي عن ابن عباس ورفعه بعضهم : قال الله تعالى يا أمّة محمد فأجابوه من أصلاب الآباء وأرحام الأمّهات لبيك اللهمّ لبيك إن الحمد لله والنعمة لك والملك لا شريك لك ، قال الله تعالى يا أمّة محمد إنّ رحمتي سبقت غضبي وعفوي عقابي قد أعطيتكم قبل أن تسألوني وقد أجبتكم من قبل أن تدعوني وقد غفرت لكم من قبل أن تستغفروني من جاء يوم القيامة بشهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا عبدي ورسولي دخل الجنة وإن كانت ذنوبه أكثر من زبد البحر.
تنبيه : قال البيضاوي : لعل المراد به أي : بقوله تعالى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا) [القصص : ٤٦] وقت ما أعطاه التوراة وبالأول أي : قوله تعالى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا) حيث استنبأناه لأنهما المذكوران في القصة وقوله تعالى (لِتُنْذِرَ) أي : لتحذر تحذيرا كثيرا (قَوْماً) أي : أهل قوّة ونجدة ليس بهم عائق عن أعمال الخير العظيمة إلا الإعراض عنك ، وهم العرب ومن في ذلك الزمان من الخلق يتعلق بالفعل المحذوف (ما أَتاهُمْ) وعمم النفي بزيادة