والمزاح ، وعن عائشة رضى الله تعالى عنها كانوا يتحابقون ، وقيل : السخرية بمن يمرّ بهم ، وقيل المجاهرة في ناديهم بذلك العمل وكل معصية فإظهارها أقبح من سترها ، ولذلك جاء «من خرق جلباب الحياء فلا غيبة له» (١) ولا يقال للمجلس ناديا إلا ما دام فيه أهله فإذا قاموا عنه لم يسمّ ناديا ، وعن مكحول في أخلاق قوم لوط مضغ العلك وتطريف الأصابع بالحناء وحلّ الإزار والصفير والحذف واللوطية ، ودلّ على عنادهم بقوله تعالى مسببا عن هذه الفضائح بالنهي عن تلك القبائح (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) أي : الذين فيهم قوّة ونجدة بحيث يخشى شرّهم ويتقى أذاهم لما أنكر عليهم ما أنكر (إِلَّا أَنْ قالُوا) عنادا وجهلا واستهزاء (ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ) وعبروا بالاسم الأعظم زيادة في الجراءة (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أي : في استقباح ذلك وأنّ العذاب نازل بفاعليه ، فإن قيل : قال قوم إبراهيم عليهالسلام اقتلوه أو حرّقوه وقال قوم لوط : (ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) وما هدّدوه مع أنّ إبراهيم كان أعظم من لوط فإنّ لوطا كان من قومه؟ أجيب : بأنّ إبراهيم كان يقدح في دينهم ويشتم آلهتهم ويعدّد صفات نقصهم بقوله لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يغني والسب في الدين صعب فجعلوا جزاءة القتل والتحريق ، ولوط كان ينكر عليهم فعلهم وينسبهم إلى ارتكاب المحرّم وهم ما كانوا يقولون إن هذا واجب من الدين فلم يصعب عليهم مثل ما صعب على قوم إبراهيم كلام إبراهيم فقالوا له : إنك تقول إن هذا حرام والله يعذب عليه فإن كنت صادقا فائتنا بالعذاب.
فإن قيل : إنّ الله تعالى قال في موضع آخر : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ) [النمل ، ٥٦] وقال هنا : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ) فكيف الجمع؟ أجيب : بأنّ لوطا كان ثابتا على الإرشاد مكرّرا على النهي والوعيد فقالوا أولا : ائتنا.
ثم لما كثر ذلك منه ولم يسكت عنهم قالوا : أخرجوا.
ولما أيس منهم طلب النصرة من الله بأن (قالَ) أي : لوط عليهالسلام معرضا عنهم مقبلا بكليته على المحسن إليه (رَبِ) أي : أيها المحسن إليّ (انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ) أي : الذين فيهم من القوّة ما لا طاقة لي بهم معه (الْمُفْسِدِينَ) أي : العاصين بإتيان الرجال ووصفهم بذلك مبالغة في استنزال العذاب وإشعارا بأنهم أحقاء بأن يعجل لهم العذاب.
ولما دعا لوط على قومه بقوله رب إلى آخره استجاب الله تعالى دعاءه وأمر ملائكته بإهلاكهم وأرسلهم مبشرين ومنذرين كما قال تعالى :
(وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (٣١) قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٢) وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٣) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي ، وروي الحديث بلفظ : «لا غيبة لفاسق» أخرجه علي القاري في الأسرار المرفوعة ٣٨٣ ، والعجلوني في كشف الخفاء ٢ / ٥١.