نفد الطعام والماء وبقيت أنا وأنت في هذا المكان فإن ذهبت وتركتني على حالي ذهبت بهم وغم ما بقيت ، وإن أقمت معي متنا جميعا ، فقال : يا بني أمّا بكائي فرقة الوالدين ، وأمّا ما قلت كيف يكون هذا خيرا فلعل ما صرف عنك ، أعظم مما ابتليت به ولعل ما ابتليت به أيسر مما صرف عنك ، ثم نظر لقمان أمامه فلم ير ذلك الدخان والسواد وإذا بشخص أقبل على فرس أبلق عليه ثياب بياض وعمامة بيضاء يمسح الهواء مسحا فلم يزل يرمقه بعينه حتى كان منه قريبا فتوارى عنه ؛ ثم صاح به أنت لقمان قال نعم ، قال أنت الحكيم ، قال كذلك يقال : قال ما قال لك ابنك؟ قال : يا عبد الله من أنت؟ أسمع كلامك ولا أرى وجهك ، قال : أنا جبريل أمرني ربي بخسف هذه القرية ومن فيها فأخبرت أنكما تريدانها فدعوت ربي أن يحبسكما عني بما شاء فحبسكما بما ابتلى به ابنك ولو لا ذلك لخسفت بكما مع من خسفت ، ثم مسح جبريل عليهالسلام بيده على قدم ابنه فاستوى قائما ومسح بيده على الذي كان فيه الطعام فامتلأ طعاما وعلى الذي كان فيه الماء فامتلأ ماء ثم حملهما وحماريهما فرحل بهما كما يرحل الطير فإذا هما في الدار التي خرجا بعد أيام وليال منها.
وعن عبد الله بن دينار أن لقمان قدم من سفر فلقي غلامه في الطريق فقال : ما فعل أبي؟ فقال : مات. قال : الحمد لله ملكت أمري ، قال : ما فعلت أمي؟ قال : ماتت ، قال : ذهب همي. قال : ما فعلت امرأتي؟ قال : ماتت ، قال : جدد فراشي. قال : ما فعلت أختي؟ قال : ماتت. قال : سترت عورتي ، قال : ما فعل أخي؟ قال : مات ، قال : انقطع ظهري.
وعن أبي قلابة قال : قيل للقمان أي الناس أصبر؟ قال : صبر لا معه أذى ، قيل : فأيّ الناس أعلم؟ قال : من ازداد من علم الناس إلى علمه ، قيل : فأي الناس خير؟ قال : الغني ، قيل الغني من المال؟ قال : لا ، ولكن الغني من التمس عنده خير وجد وإلا أغنى نفسه عن الناس.
وعن سفيان : قيل للقمان : أي الناس شر؟ قال : الذي لا يبالي أن يراه الناس مسيئا ، وعن عبد الله بن زيد قال قال لقمان ألا إن يد الله على أفواه الحكماء لا يتكلم أحدهم إلا ما هيأ الله تعالى له.
ولما استدل سبحانه بقوله تعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ) على الوحدانية وبين بحكمة لقمان أنّ معرفة ذلك غير مختصة بالنبوّة استدل ثانيا على الوحدانية بالنعم بقوله تعالى :
(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٣) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (٢٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٥) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦) وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧) ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ