وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٣٣) إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤))
(أَلَمْ تَرَوْا) أي : تعلموا علما هو في ظهوره كالمشاهدة (أَنَّ اللهَ) أي : الحائز لكل كمال (سَخَّرَ لَكُمْ) أي : لأجلكم (ما فِي السَّماواتِ) من الإنارة والإظلام والشمس والقمر والنجوم والسحاب والمطر والبرد وغير ذلك من الإنعامات مما لا يحصى ، كما قال (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) [الأعراف ، ٥٤] (وَ) سخر لكم (ما فِي الْأَرْضِ) من البحار والثمار والآبار والأنهار والدواب والمعادن وغير ذلك مما لا يحصى (وَأَسْبَغَ) أي : أوسع وأتم (عَلَيْكُمْ) وقوله تعالى (نِعَمَهُ) قرأه نافع وأبو عمرو وحفص بفتح العين وبعد الميم هاء مضمومة ، والباقون بسكون العين وبعد الميم تاء مفتوحة منونة ، ومعناها الجمع أيضا كقوله تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) [إبراهيم : ٣٤].
واختلف في قوله عزوجل (ظاهِرَةً وَباطِنَةً) على أقوال : فقال عكرمة عن ابن عباس : النعمة الظاهرة : القرآن والإسلام ، والباطنة : ما ستر عليك من الذنوب ولم يعجل عليك بالنقمة ، وقال الضحاك : الظاهرة حسن الصورة وتسوية الأعضاء والباطنة المعرفة ، وقال مقاتل : الظاهرة تسوية الخلق والرزق والإسلام ، والباطنة ما ستر من الذنوب ، وقال الربيع : الظاهرة الجوارح والباطنة القلب ، وقال عطاء الظاهرة تخفيف الشرائع والباطنة الشفاعة ، وقال مجاهد : الظاهرة ظهور الإسلام والنصر على الأعداء والباطنة الإمداد بالملائكة ، وقال سهل بن عبد الله : الظاهرة اتباع الرسول والباطنة محبته ، وقيل الظاهرة تمام الرزق والباطنة تمام الخلق ، وقيل الظاهرة الإمداد بالملائكة والباطنة إلقاء الرعب في قلوب الكفار ، وقيل الظاهرة الإقرار باللسان والباطنة الاعتقاد بالقلب ، وقيل : الظاهرة البصر والسمع واللسان وسائر الجوارح الظاهرة ، والباطنة القلب والعقل والفهم وما أشبه ذلك ، ويروى في دعاء موسى : عليهالسلام إلهي دلني على إخفاء نعمتك على عبادك ، فقال : أخفى نعمتي عليهم النفس ، ويروى أن أيسر ما يعذب به أهل النار الأخذ بالأنفاس.
ونزل في النضر بن الحارث وأبي بن خلف وأشباههم كانوا يجادلون النبي صلىاللهعليهوسلم في الله تعالى وفي صفاته : (وَمِنَ النَّاسِ) أي : أهل مكة (مَنْ يُجادِلُ) أي : يحاجج فلا لهو أعظم من جداله ولا كبر مثل كبره ولا ضلال مثل ضلاله وأظهر زيادة التشنيع على هذا المجادل بقوله تعالى : (فِي اللهِ) أي : المحيط علما وقدرة ثم بين تعالى مجادلته أنها (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي : مستفاد من دليل بل بألفاظ في ركاكة معانيها لعدم إسنادها إلى حس ولا عقل ملحقة بأصوات الحيوانات العجم فكان بذلك حمارا تابعا للهوى (وَلا هُدىً) أي : من رسول عهد منه سداد الأقوال والأفعال بما أبدى من المعجزات والآيات البينات فوجب أخذ أقواله مسلمة وإن لم يظهر معناها (وَلا كِتابٍ) أي : من الله تعالى ، ثم وصفه بما هو لازم له بقوله تعالى : (مُنِيرٍ) أي : بين غاية البيان ؛ بل إنما يجادل بالتقليد كما قال تعالى :