السابعة؟ قلنا : الله ورسوله أعلم قال مسيرة خمسمائة عام ، ثم قال : ما هذه تحتكم؟ قلنا : الله ورسوله أعلم قال : أرض ، أتدرون ما تحتها؟ قلنا : الله ورسوله أعلم قال : أرض أخرى أتدرون كم بينها؟ قلنا : الله ورسوله أعلم قال : مسيرة سبعمائة عام ، حتى عد سبع أرضين ثم قال : وأيم الله لو دليتم بحبل لهبط على علم الله وقدرته» (١) وروي : «مثل السموات والأرض في الكرسي كحلقة ملقاة في فلاة ، وإن فضل الكرسي على السموات والأرض كفضل الفلاة على تلك الحلقة» (٢).
وقوله تعالى : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [البقرة : ٢٥٥] يدل على أن الكرسي محيط بالكل. وقيل : مقدار ألف سنة وخمسين ألف سنة كلها في القيامة ، ومعناه حينئذ : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض مدة أيام الدنيا ثم يعرج أي : يرجع الأمر والتدبير إليه بعد فناء الدنيا في يوم كان مقداره ذلك ، وذلك اليوم يتفاوت ، فهو على الكافر كخمسين ألف سنة ، وعلى المؤمن دون ذلك. بل جاء في الحديث أنه يكون على المؤمن كمثل صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا.
وقيل : إن ذلك إشارة إلى امتداد نفاذ الأمر ؛ وذلك لأن من نفد أمره غاية النفاذ في يوم أو يومين وانقطع لا يكون مثل من ينفذ أمره في سنين متطاولة ، فقوله : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) يعني : يدبر الأمر في زمان يوم منه ألف سنة ، فكم يكون شهر منه وكم يكون سنة منه وكم يكون دهر منه؟ وعلى هذا فلا فرق بين هذا وبين قوله : (مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) لأن ذلك إذا كان إشارة إلى دوام نفاذ الأمر فسواء يعبر بألف سنة أو بخمسين ألف سنة لا يتفاوت ، إلا أن المبالغة بالخمسين أكثر ، وسيأتي بيان فائدتها في موضعها إن شاء الله تعالى.
ولما تقرر هذا من عالم الأشباح والخلق ، ثم عالم الأرواح والأمر بيّن أنه تعالى عالم بما كان وما يكون بقوله تعالى : (ذلِكَ) أي : الإله الواحد القهار ، (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي : ما غاب عن الخلق ، ومنه الذي تقدمت مفاتيحه وما حضر وظهر فيدبر أمرهما (الْعَزِيزُ) أي : الغالب على أمره (الرَّحِيمُ) على العباد في تدبيره ، وفيه إيماء بأنه تعالى يراعي المصالح تفضلا وإحسانا.
ولما ذكر تعالى الدليل على الوحدانية من الآفاق بقوله تعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) ذكر الدليل عليها من الأنفس بقوله تعالى : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) قال ابن عباس : أتقنه وأحكمه ، فجميع المخلوقات حسنة وإن تفاوتت إلى حسن وأحسن كما قال تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين : ٤] وقال مقاتل : علم كيف يخلق كل شيء من قول القائل : فلان يحسن كذا إذا كان يتقنه ، وقيل : خلق كل حيوان على صورة لم يخلق البعض على صورة البعض ، وقيل : معناه أحسن إلى كل خلقه.
وقرأ نافع والكوفيون بفتح اللام فعلا ماضيا ، والجملة صفة للمضاف أو المضاف إليه ، والباقون بسكونها على أنه بدل من كل شيء بدل اشتمال والضمير عائد على كل شيء.
ولما كان الحيوان أشرف الأجناس وكان الإنسان أشرفه خصه بالذكر ليقوم دليل الوحدانية
__________________
(١) أخرجه الطبري في تفسيره ٢٨ / ٩٩ ، والترمذي حديث ٣٢٩٨ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ١ / ٨٥ ، و ٧ / ١٢٠.
(٢) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.