أي : من فضة أيضا وسميت المصاعد من الدرج معارج لأن المشي عليها مثل مشي الأعرج (عَلَيْها) خاصة لتيسر أمرها لهم (يَظْهَرُونَ) أي : يعلون ويرتقون على ظهرها إلى المعالي.
(وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً) أي : من فضة أيضا وقوله تعالى (وَسُرُراً) أي : من فضة جمع سرير ودل على هدوء بالهم وصفاء أوقاتهم وأحوالهم بقوله تعالى : (عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ) ودل على ما هو أعظم من الفضة بقوله تعالى : (وَزُخْرُفاً) أي : ذهبا وزينة كاملة عامة.
تنبيه : زخرفا يجوز أن يكون منصوبا بجعل أي : وجعلنا لهم زخرفا ، وجوز الزمخشري : أن ينتصب عطفا على محل من فضة ، كأنه قيل : سقفا من فضة وذهب ، فلما حذف الخافض انتصب أي : بعضها كذا وبعضها كذا ، وقيل : الزخرف هو الذهب لقوله تعالى : (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) [الإسراء : ٩٣] فيكون المعنى ويجعل لهم مع ذلك ذهبا كثيرا ، وقيل : الزخرف الزينة لقوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ) [يونس : ٢٤] فيكون المعنى نعطيهم زينة عظيمة في كل باب (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ) أي : البعيد من الخير لكونه في الأغلب مبعدا مما يرضينا (لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي : التي اسمها دال على دناءتها يتمتع به فيها ثم يزول ، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة : بتشديد الميم بعد اللام بمعنى إلا حكى سيبويه : [أنشدتك الله لما فعلت] بمعنى إلا ، وتكون أن نافية أي : وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا ، وقرأ الباقون : بالتخفيف فتكون إن هي المخففة من الثقيلة أي : وإنه كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا.
(وَالْآخِرَةُ) أي : الجنة التي لا دار تعدلها بل لا دار في الحقيقة إلا هي (عِنْدَ رَبِّكَ) أي : المحسن إليك بأن جعلك أفضل الخلق (لِلْمُتَّقِينَ) أي : الذين هم دائما واقفون عن أدنى تصرف إلا بدليل لا يشاركهم فيها غيرهم من الكفار ، ولهذا لما ذكر عمر رضي الله عنه كسرى وقيصر وما كانا فيه من النعم قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ألا ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة» (١) وقال صلىاللهعليهوسلم : «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها الكافر قطرة ماء» (٢).
وروى المستورد بن شداد قال : «كنت في الركب الذين وقفوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم على السخلة الميتة فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أترى هذه هانت على أهلها» (٣) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» (٤). وعن قتادة بن النعمان أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا أحب الله عبده حماه من الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء» (٥).
__________________
(١) أخرجه مسلم في الطلاق حديث ١٤٧٩ ، وابن ماجه حديث ٤١٥٣.
(٢) أخرجه الترمذي في الزهد حديث ٢٣٢٠ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤١١٠ ، والسيوطي في الدر المنثور ٦ / ١٧.
(٣) أخرجه الترمذي في الزهد حديث ٢٣٢١ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤١١١.
(٤) تقدم الحديث مع تخريجه.
(٥) أخرجه الترمذي في الطب حديث ٢٠٣٦ ، والحاكم في المستدرك ٤ / ٣٠٩ ، والطبراني في المعجم الكبير ٤ / ٢٩٨.