مسروق في هذه الآية : والله ما نزلت في عبد الله بن سلام لأنّ ال حم نزلت بمكة وإنما أسلم عبد الله بن سلام بالمدينة قبل وفاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعامين فكيف يمكن حمل هذه الآية المكية على واقعة حدثت في عهد الرسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمدينة؟ وإنما نزلت الآية في محاجة كانت من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكانت بالمدينة وأجاب الكلبي : بأنّ السورة مكية إلا هذه الآية فإنها مدنية ، وأن الله تعالى أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم بأن يضعها في هذه السورة المكية في هذا الموضع المعين. وقيل المراد بالشاهد موسى ، ومثل القرآن هو التوراة. فشهد موسى على التوراة ، ومحمد على الفرقان فكل واحد يصدّق الآخر : لأن التوراة مشتملة على البشارة بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، والقرآن مصدّق للتوراة.
وجواب الشرط : ألستم ظالمين دل عليه قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ) أي : الملك الأعظم ذا العزة والحكمة (لا يَهْدِي الْقَوْمَ) أي : الذين لهم قوّة على القيام بما يريدون (الظَّالِمِينَ) أي : الذين من شأنهم وضع الأمور في غير مواضعها فلأجل ذلك لا يهديكم ، إذ لا أحد أرسخ منكم في الظلم الذي تسبب عنه هلاككم.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : تعمدوا تغطية الحق (لِلَّذِينَ) أي : لأجل إيمان الذين (آمَنُوا) أي سبقوهم إلى الإيمان (لَوْ كانَ) أي : إيمانهم بالقرآن (خَيْراً) أي : من جملة الخيور (ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) ونحن أشرف منهم ، وأكثر أموالا وأولادا ، وأعلم بتحصيل العز والسؤدد الذي هو مناط الخير. كما لم يسبقونا إلى شيء من هذه الخيرات التي نحن فائزون بها وهم صفر منها لكن ليس بخير ، فلهذا سبقونا إليه (وَإِذْ) أي : وحين (لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ) أي : بالقرآن كما اهتدى به أهل الإيمان (فَسَيَقُولُونَ هذا) أي : القرآن الذي سبقتم إليه (إِفْكٌ) أي : شيء مصروف عن وجهه إلى قفاه (قَدِيمٌ) أي : إفك غيره وعثر هو عليه فأتى به ونسبه إلى الله تعالى كما قالوا أساطير الأولين (وَمِنْ) أي : قالوا ذلك ، والحال أنه كان في بعض الزمن الذي من (قَبْلِهِ) أي : القرآن (كِتابُ مُوسى) كليم الله تعالى ، حال كون كتابه وهو التوراة (إِماماً) أي : يستحق أن يؤمّه كل من سمع به (وَرَحْمَةً) لما فيه من نعم الدلائل على الله تعالى ، والبيان الشافي ، وفي الكلام محذوف ، تقديره : وتقدّمه كتاب موسى إماما ورحمة ولم يهتدوا به كما قال تعالى في الآية الأولى (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ).
(وَهذا) أي : القرآن (كِتابُ) أي : جامع لجميع الخيرات (مُصَدِّقٌ) أي : لكتاب موسى عليهالسلام ، وغيره من الكتب التي تصح نسبتها إلى الله تعالى في أنّ محمدا صلىاللهعليهوسلم رسول من عند الله تعالى وقوله تعالى : (لِساناً) حال من الضمير في مصدّق. وقوله : (عَرَبِيًّا) صفة ل (لِساناً) وهو المسوّغ لوقوع هذا الجامد حالا أي : في أعلى طبقات اللسان العربي ، مع كونه أسهل الكتب تناولا ، وأبعدها عن التكلف ، ليس هو بحيث يمنعه علوّه بفخامة الألفاظ ، وجلالة المعاني ، ودقة الإشارة عن سهولة الفهم ، وقرب التناول. وقوله تعالى : (لِيُنْذِرَ) أي : الكتاب بحسن بيانه ، وعظم شأنه (الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي : سواء كانوا عريقين في الظلم ، أم لا وقرأ نافع وابن عامر : بالتاء خطابا أي : أيها الرسول. والباقون : بالياء غيبة بخلاف عن البزي. (وَبُشْرى) أي : كاملة (لِلْمُحْسِنِينَ) أي : المؤمنين ، بأنّ لهم الجنة.
ولما قرّر دلائل التوحيد والنبوّة ، وذكر شبهات المتكبرين وأجاب عنها ذكر بعد ذلك طريقة المحقين. فقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا) أي : خالقنا ومولانا والمحسن إلينا الله وحده ثم