الفقراء ومنهم سلمان وعليه صوف قد عرق فيها وبيده خوص يشقه وينسجه فقال عيينة للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : أما يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات مضر وأشرافها إن أسلمنا أسلم الناس وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء فنحهم حتى نتبعك أو اجعل لنا مجلسا فأنزل الله عزوجل واصبر نفسك أي احبس يا محمد نفسك (مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) يعني طرفي النهار (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) أي يريدون وجه الله لا يريدون عرض الدنيا ، وقيل نزلت في أصحاب الصفة وكانوا سبعمائة رجل فقراء في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يرجعون إلى تجارة ولا زرع ولا ضرع يصلون صلاة وينتظرون أخرى فلما نزلت هذه الآية قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم «الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم» (وَلا تَعْدُ) أي لا تصرف ولا تجاوز (عَيْناكَ عَنْهُمْ) إلى غيرهم (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي تطلب مجالسة الأغنياء والأشراف وصحبة أهل الدنيا (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) أي جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا يعني عيينة بن حصن وقيل أمية بن خلف (وَاتَّبَعَ هَواهُ) أي في طلب الشهوات (وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) ضياعا ضيع أمره وعطل أيامه ، وقيل ندما وقيل سرفا وباطلا وقيل مخالفا للحق (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) أي قل يا محمد لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا من ربكم الحق وإليه التوفيق والخذلان وبيده الهدى والضلال ليس إلي من ذلك شيء (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) هذا على طريق التهديد والوعيد كقوله «اعملوا ما شئتم» وقيل معنى الآية وقل الحق من ربكم أي لست بطارد المؤمنين لهواكم فإن شئتم فآمنوا وإن شئتم فاكفروا ، فإن كفرتم فقد أعد لكم ربكم نارا وإن آمنتم فلكم ما وصف الله لأهل طاعته ، وعن ابن عباس في معنى الآية : من شاء الله له الإيمان آمن ومن شاء له الكفر كفر (إِنَّا أَعْتَدْنا) أي هيأنا من العتاد وهو العدة (لِلظَّالِمِينَ) أي الكافرين (ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) السرادق الحجزة التي تطيف بالفساطيط عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم «قال سرادق النار أربعة جدر كثف كل جدار أربعون سنة» أخرجه الترمذي قال ابن عباس : هو حائط نار وقيل هو عنق يخرج من النار فيحيط بالكفار كالحظيرة وقيل هو دخان يحيط بالكفار (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا) أي من شدة العطش (يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ) قال ابن عباس : هو ماء غليظ مثل دردي الزيت ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال في قوله سبحانه وتعالى بماء كالمهل قال : «كعكر الزيت فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه منه» أخرجه الترمذي. وقال رشدين أحد رواة الحديث قد تكلم بفيه من قبل حفظة الفروة جلدة الوجه وقيل المهل الدم والقيح وقيل هو الرصاص والصفر المذاب (يَشْوِي الْوُجُوهَ) أي ينضج الوجوه من حره (بِئْسَ الشَّرابُ) أي ذلك الذي يغاثون به (وَساءَتْ) أي النار (مُرْتَفَقاً) قال ابن عباس رضي الله عنهما : منزلا وقيل مجتمعا وأصل المرتفق المتكأ وإنما جاء كذلك لمشاكلة قوله وحسنت مرتفقا وإلا فلا ارتفاق لأهل النار ولا متكأ. قوله عزوجل :
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (٣٢) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (٣٣))
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) أي لا نترك أعمالهم الصالحة وقيل إن قوله إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا كلام معترض وتقديره إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات (أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) أي دار إقامة سميت عدنا لخلود المؤمنين فيها (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) وذلك لأن أفضل المساكن ما كان يجري فيه الماء (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) قيل يحلى كل إنسان منهم ثلاثة أساور سوار