من ذهب لهذه الآية وسوار من فضة لقوله تعالى «وحلوا أساور من فضة» وسوار من لؤلؤ لقوله «ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير» (وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ) هو الديباج الرقيق (وَإِسْتَبْرَقٍ) هو الديباج الصفيق الغليظ وقيل السندس المنسوج بالذهب (مُتَّكِئِينَ) خص الاتكاء لأنه هيئة المتنعمين والملوك (فِيها) أي في الجنة (عَلَى الْأَرائِكِ) جمع أريكة وهي السرر في الحجال ولما وصف الله سبحانه وتعالى هذه الأشياء قال (نِعْمَ الثَّوابُ) أي نعم الجزاء (وَحَسُنَتْ) أي الجنات (مُرْتَفَقاً) أي مقرا ومجلسا ، والمراد بقوله وحسنت مرتفقا مقابلة ما تقدم ذكره من قوله سبحانه وتعالى وساءت مرتفقا. قوله عزوجل (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ) قيل نزلت في أخوين من أهل مكة من بني مخزوم وهما أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن عبد ياليل وكان مؤمنا وأخوه الأسود بن عبد الأسود وكان كافرا وقيل هذا مثل لعيينة بن حصن وأصحابه وسلمان وأصحابه وشبههما برجلين من بني إسرائيل أخوين أحدهما مؤمن واسمه قطروس وهما اللذان وصفهما الله سبحانه وتعالى في سورة والصافات وكانت قصتهما على ما ذكره عطاء الخراساني قال : كان رجلان شريكان لهما ثمانية آلاف دينار ، وقيل كانا أخوين ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فاقتسماها فاشترى أحدهما أرضا بألف دينار فقال صاحبه اللهم إن فلانا قد اشترى أرضا بألف وإني قد اشتريت منك أرضا في الجنة بألف دينار فتصدق بها ، ثم إن صاحبه بنى دارا بألف دينار فقال اللهم إن فلانا بنى دارا بألف دينار وإني اشتريت منك دارا في الجنة بألف دينار فتصدق بها ، ثم تزوج صاحبه امرأة فأنفق عليها ألف دينار فقال هذا اللهم إني أخطب إليك امرأة من نساء الجنة بألف دينار فتصدق بها ، ثم اشترى خدما ومتاعا بألف دينار فقال هذا اللهم إني أشتري منك خدما ومتاعا بألف دينار في الجنة فتصدق بها ، ثم أصابته حاجة شديدة فقال لو أتيت صاحبي لعل ينالني منه معروف فجلس على طريقه حتى مر به في خدمه وحشمه فقام إليه فنظر إليه صاحبه فعرفه فقال فلان ، قال نعم قال ما شأنك قال أصابتني حاجة بعدك فأتيتك لتعينني بخير قال فما فعلت بمالك وقد قاسمتك مالا وأخذت شطره ، فنص عليه قصته فقال وإنك لمن المصدقين بهذا اذهب فلا أعطيك شيئا فطرده ، فقضي لهما فتوفيا فنزل فيهما قوله (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ) وروي أنه لما أتاه أخذ بيده وجعل يطوف به ويريه أمواله فنزل فيهما «واضرب لهم مثلا رجلين» (جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ) أي وجعلنا بساتين (مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما) أي أطفناهما من جوانبهما (بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً) أي بين النخل والأعناب الزرع وقيل بينهما أي بين الجنتين ، يعني لم يكن بين الجنتين خراب بغير زرع (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ) أي أعطت كل واحدة من الجنتين (أُكُلَها) أي ثمرها تماما (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) أي ولم تنقص منه شيئا (وَفَجَّرْنا خِلالَهُما) شققنا وسطهما (نَهَراً).
(وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (٣٤) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (٣٥) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (٣٦) قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (٣٧) لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (٣٨) وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً (٣٩) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (٤٠) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (٤١) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (٤٢) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً (٤٣) هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (٤٤))