المحرمات الجنة وقيل : إن السلام قول والصبر فعل ولا يكون القول ثوابا للفعل ، فعلى هذا يكون قوله : سلام عليكم دعاء من الملائكة لهم يعني سلمكم الله بما صبرتم. قال مقاتل : إن الملائكة يدخلون عليهم في مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات معهم الهدايا والتحف من الله تعالى. يقولون : سلام عليكم بما صبرتم ، وروى البغوي بسنده عن أبي أمامة موقوفا عليه قال : «إن المؤمن ليكون متكئا على أريكته إذا دخل الجنة وعنده سماطان من خدم وعند طرف السماطين باب مبوب فيقبل الملك من ملائكة الله يستأذن فيقوم أدنى الخدم إلى الباب فإذا بالملك يستأذن فيقول : للذي يليه ملك يستأذن. ويقول الآخر : كذلك حتى يبلغ المؤمن فيقول ائذنوا له فيقول أقربهم إلى المؤمن ائذنوا له ويقول الذي يليه ائذنوا له وكذلك حتى يبلغ أقصاهم الذي عند الباب فيفتح له ، فيدخل فيسلم ثم ينصرف» (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) يعني فنعم العقبى عقبى الدار. وقيل : معناه فنعم عقبى الدار ما أنتم فيه (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) لما ذكر الله أحوال السعداء وما أعد لهم من الكرامات والخيرات ذكر بعده أحوال الأشقياء ، وما لهم من العقوبات فقال تعالى (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) ونقض العهد ضد الوفاء به ، وهذا من صفة الكفار لأنهم هم الذين نقضوا عهد الله يعني خالفوا أمره ، ومعنى من بعد ميثاقه من بعد ما أوثقوه على أنفسهم بالاعتراف والقبول (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) يعني ما بينهم وبين المؤمنين من الرحم والقرابة (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) يعني بالكفر والمعاصي (أُولئِكَ) يعني من هذه صفته (لَهُمُ اللَّعْنَةُ) يعني الطرد عن رحمة الله يوم القيامة (وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) يعني النار لأن منقلب الناس في العرف إلى دورهم ، ومنازلهم ، فالمؤمنون لهم عقبى الدار وهي الجنة ، والكفار لهم سوء الدار وهي النار. قوله تعالى (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) يعني يوسع على من يشاء من عباده فيغنيه من فضله ، ويضيق على من يشاء من عباده فيفقره ويقتر عليه ، وهذا أمر اقتضته حكمة الله (وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) يعني مشركي مكة لما بسط الله عليهم الرزق أشروا وبطروا ، والفرح لذة تحصل في القلب بنيل المشتهى. وفيه دليل على أن الفرح بالدنيا والركون إليها حرام (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ) يعني بالنسبة إلى الآخرة (إِلَّا مَتاعٌ) أي قليل ذاهب. قال الكلبي : المتاع مثل السكرجة والقصعة والقدر ينتفع بها في الدنيا ثم تذهب كذلك الحياة لأنها ذاهبة لا بقاء لها (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني من أهل مكة (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) يعني هلا أنزل على محمد آية ومعجزة مثل معجزة موسى وعيسى (قُلْ) أي قل لهم يا محمد : (إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) فلا ينفعه نزول الآيات وكثرة المعجزات إن لم يهده الله عزوجل وهو قوله (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) يعني ويرشد إلى دينه والإيمان به من أناب بقلبه ورجع إليه بكليته (الَّذِينَ آمَنُوا) بدل من قوله من أناب (وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ) يعني وتسكن قلوبهم (بِذِكْرِ اللهِ) قال مقاتل : بالقرآن لأنه طمأنينة لقلوب المؤمنين والطمأنينة والسكون إنما تكون بقوة اليقين ، والاضطراب إنما يكون بالشك (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) يعني بذكره تسكن قلوب المؤمنين ويستقر اليقين فيها. وقال ابن عباس : هذا في الحلف وذلك أن المسلم إذا حلف بالله على شيء سكنت قلوب المؤمنين إليه. فإن قلت أليس قد قال الله تبارك وتعالى في أول سورة الأنفال (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) والوجل استشعار الخوف ، وحصول الاضطراب وهو ضد الطمأنينة فكيف وصفهم بالوجل والطمأنينة وهل يمكن الجمع بينهما في حال واحد. قلت : إنما يكون الوجل عند ذكر الوعيد والعقاب والطمأنينة ، إنما تكون عند الوعد والثواب فالقلوب توجل إذا ذكرت عدل الله وشدة حسابه وعقابه وتطمئن إذا ذكرت فضل الله ورحمته وكرمه وإحسانه.
(الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩) كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ