عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ موسى نسي صاحبه أن يخبره فانطلقا حتى إذا كان من الضد وهو قوله سبحانه وتعالى (فَلَمَّا جاوَزا) يعني ذلك الموضع وهو مجمع البحرين (قالَ) يعني موسى (لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا) أي طعامنا (لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) أي تعبا وشدة وذلك أنه ألقي على موسى الجوع بعد ما جاوز الصخرة ليتذكر الحوت ويرجع في طلبه.
(قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣) قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (٦٤) فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (٦٥) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (٦٦) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (٦٩) قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (٧٠) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١))
(قالَ) يعني يوشع (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ) وهي صخرة كانت بالموضع الموعود (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) أي تركته وفقدته ، وذلك أن يوشع حين رأى من الحوت ذلك قام ليدرك موسى فيخبره فنسي أن يخبره ، فمكثا يومهما حتى صليا الظهر من الغد ثم قال (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) أي وما أنساني أن أذكر لك أمر الحوت إلا الشيطان ، قيل المراد من النسيان شغل قلب الإنسان بوساوس الشيطان التي هي فعله دون النسيان الذي يضاد الفكر لأن ذلك لا يصح إلا من قبل الله تعالى (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً) قيل هذا من قول يوشع بن نون يعني وقع الحوت في البحر فاتخذ سبيله فيه مسلكا. وروي في الخبر كان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا وقيل أي شيء أعجب من حوت يؤكل منه دهرا ثم صار حيا بعد ما أكل بعضه. قوله عزوجل (قالَ) يعني موسى (ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ) نطلب (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً) أي رجعا يقصان الذي جاءا منه ويتبعانه (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا) قيل كان ملكا من الملائكة والصحيح الذي ثبت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجاء في التواريخ أنه الخضر واسمه بليا بن ملكان وكنيته أبو العباس ، قيل كان من بني إسرائيل وقيل كان من أبناء الملوك الذين تزهدوا وتركوا الدنيا والخضر لقب له ، سمي به لأنه جلس على فروة بيضاء فاخضرت. (خ) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إنما سمي خضرا لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضراء» ، الفروة قطعة نبات مجتمعة يابسة وقيل سمي خضرا لأنه كان إذا صلّى اخضر ما حوله. وروينا أن موسى رأى الخضر مسجى بثوب فسلم عليه ، فقال الخضر : وأنى بأرضك السلام قال : أنا موسى أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا. ومعنى مسجى بثوب أي مغطى بثوب وقوله وأنى بأرضك السلام معناه من أين بأرضك التي أنت فيها الآن السلام. وروي أنه لقيه على طنفسة خضراء على جانب البحر فذلك قوله سبحانه وتعالى (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً) أي نعمة (مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) أي علم الباطن إلهاما ولم يكن الخضر نبيا عند أكثر أهل العلم. فإن قلت ظاهر الآيات يدل على أن الخضر كان أعلى شأنا من موسى وكان موسى يظهر التواضع له والتأدب معه. قلت لا يخلو إما أن يكون الخضر من بني إسرائيل أو من غيرهم فإن كان من بني إسرائيل فهو من أمة موسى ، ولا جائز أن يكون أحد الأمة أفضل من نبيها أو أعلى شأنا منه ، وإن كان من غير بني إسرائيل فقد قال الله تعالى لبني إسرائيل (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) أي على عالمي زمانكم (قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ) معناه جئت لأصحبك وأتبعك (عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) أي صوابا وقيل علما ترشدني به. وفي بعض