الأخبار قال الخضر لموسى : كفى بالتوراة علما وبني إسرائيل شغلا ، فقال له موسى : إن الله أمرني بهذا فحينئذ (قالَ) الخضر لموسى (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) وإنما قال ذلك لأنه علم أنه يرى أمورا منكرة ولا يجوز للأنبياء الصبر مع المنكرات ثم بين عذره في ترك الصبر فقال (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) أي علما (قالَ) موسى (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً) إنما استثنى لأنه لم يثق من نفسه بالصبر (وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) أي أخالفك فيما تأمرني به (قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي) أي فإن صحبتني ولم يقل اتبعني ولكن جعل الاختيار إليه شرط عليه ثم شرطا فقال (فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ) أي مما أعمله مما تنكره ولا تعترض عليه (حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) معناه حتى أبتدئ بذكره فأبين لك شأنه. قوله سبحانه وتعالى (فَانْطَلَقا) أي يمشيان على الساحل يطلبان سفينة يركبانها ، فوجدا سفينة فركباها فقال أهل السفينة هؤلاء لصوص ، وأمروهما بالخروج فقال صاحب السفينة ما هم بلصوص ولكن أرى وجوه الأنبياء. وروينا عن أبي بن كعب عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم «مرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول ، أي بغير عوض ولا عطاء ، فلما لججوا في البحر أخذ الخضر فأسا فخرق لوحا من ألواح السفينة فذلك» قوله تعالى (حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ) يعني موسى له (أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) أي أتيت شيئا عظيما منكرا. روي أن الخضر لما خرق السفينة لم يدخلها الماء وروي أن موسى لما رأى ذلك أخذ ثوبه فحشا به الخرق.
(قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٢) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (٧٣) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤) قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٥) قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٧٦) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧))
(قالَ) العالم وهو الخضر (أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قالَ) يعني موسى (لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ). قال ابن عباس : لم ينس ولكنه من معاريض الكلام فكأنه نسي شيئا آخر. وقيل معناه بما تركت من عهدك والنسيان الترك وقال أبي بن كعب عن النبي صلىاللهعليهوسلم «كانت الأولى من موسى نسيانا والثانية شرطا والثالثة عمدا» (وَلا تُرْهِقْنِي) أي لا تغشني (مِنْ أَمْرِي عُسْراً) والمعنى لا تعسر علي متابعتك وسيرها بالاغضاء وترك المناقشة وقيل لا تكلفني مشقة ولا تضيق علي أمري. (فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ) في القصة أنهما خرجا من البحر يمشيان فمرا بغلمان ، يلعبون فأخذ الخضر غلاما ظريفا وضيء الوجه كان وجهه يتوقد حسنا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين ، وروينا أنه أخذ برأسه فاقتلعه. وروى عبد الرزاق هذا الخبر وفيه أشار بأصابعه الثلاث الإبهام والسبابة والوسطى وقلع رأسه. وروي أنه رضخ رأسه بحجر وقيل ضرب رأسه بالجدار فقتله. قال ابن عباس : كان غلاما لم يبلغ الحنث ولم يكن نبي الله موسى يقول أقتلت نفسا زاكية ، إلا وهو صبي لم يبلغ الحنث ، وقيل كان رجلا وقيل كان اسمه حيسور وقيل كان فتى يقطع الطريق ويأخذ المتاع ويلجأ إلى أبويه. وقيل كان غلاما يعمل بالفساد ويتأذى منه أبواه. (ق) عن أبي بن كعب قال : قال رسول رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا» لفظ مسلم (قالَ) يعني موسى (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً) أي لم تذنب قط وقرئ زكية وهي التي أذنبت ثم تابت (بِغَيْرِ نَفْسٍ) أي لم تقتل نفسا حتى يجب عليها القتل (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) أي منكرا عظيما ، وقيل النكر أعظم من الأمر لأنه حقيقة الهلاك ، وفي خرق السفينة خوف الهلاك ، وقيل الأمر أعظم لأن فيه تغريق جمع كثير ، وقيل معناه لقد جئت شيئا أنكر من الأول لأن ذاك كان خرقا